الانصراف، لقوله تعالى: " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " (1).
والأقرب عندي الأخير لما فيه من حفظ النفس الواجب دائما وإمكان تحصيل المقصود من الجهاد بعد ذلك، ووجوب الثبات لا ينافي ما قلناه، فإن المطلق يصدق في أي جزئي (2) كان.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا كان المشركون أكثر من ضعف المسلمين لم يلزم الثبات، وهل يستحب أم لا إن غلب في ظنه الهلاك؟ فالأولى الانصراف، وقيل: يجب الانصراف، وكذا القول فيمن قصده رجل وغلب في ظنه أنه إن ثبت له قتله فعليه الهرب، وإن غلب السلامة فالمستحب له أنه يثبت، ولا ينصرف لئلا يكسر المسلمين (3).
وقال ابن الجنيد (4): لا يجوز مع الاستظهار من المسلمين على المشركين، وإن كان المشركون أضعاف المسلمين أن تولوا الدبر، سواء كان في عسكر أو سرية.
والأقرب أنه إن غلب السلامة استحب له الثبات، ولم يجب عملا بالأصل، وإن غلب الهلاك وجب الهرب لما تقدم.
مسألة: قال ابن الجنيد (5): ومن كان في جيش يكون عدده اثنا عشر ألف رجل لم يستحب له أن يولي الدبر على وجه، لما روي عن النبي - صلى الله عليه وآله - قال: لا تغلب اثنا عشر ألف من قلة (6)، وأصحابنا أطلقوا القول بجواز الهرب مع كثرة المشركين على الضعف، وهو الأقرب عملا بأصالة البراءة.