فالخلاف مع أبي حنيفة في فصلين: أحدهما في الحكم بالنكول، والثاني في رد اليمين دليلنا: على أن اليمين ترد: إجماع الفرقة وأخبارهم (١).
وأيضا قوله تعالى: ﴿ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم﴾ (2) فأثبت الله يمينا مردودة بعد يمين، فاقتضى ذلك أن اليمين ترد في بعض المواضع بعد يمين أخرى.
فإن قيل: الآية تقتضي رد اليمين بعد اليمين، والاجماع أن المدعى عليه إذا حلف لم ترد اليمين بعد ذلك على المدعي.
قيل: لما أجمعوا على أنه لا يجوز رد اليمين بعد اليمين عدل بالظاهر عن هذه وعلم أن المراد به أن ترد أيمان بعد وجوب أيمان.
ويدل عليه أيضا: قوله عليه السلام: المطلوب أولى باليمين من الطالب (3). ولفظة أولى من وزن أفعل، وحقيقتها الاشتراك في الحقيقة، وتفضيل أحدهما على الآخر، فاقتضى الخبر أن الطالب والمطلوب يشتركان في اليمين، لكن للمطلوب مزية عليه بالتقدم.
وأما الدليل على أن المدعى عليه لا يحكم عليه بمجرد النكول أن الأصل براءة الذمة، وإيجاب الحكم عليه بالنكول يحتاج إلى دليل.