مساو له، واعتدل الشيئان أي تساويا، وفي اصطلاح أرباب الحكمة وأهل العرفان عبارة عن تعديل قوى النفس وتقويم أفعالها بحيث لا يغلب بعض على بعض.
وتوضيح ذلك أن للنفس الانسانية قوة عاقلة هي مبدأ الفكر والتمييز والشوق إلى النظر في الحقائق والتأمل في الدقائق، وقوة غضبية هي مبدأ الغضب والجرأة لدفع المضار والاقدام على الأهوال والشوق إلى التسلط على الرجال، وقوة شهوية هي مبدأ طلب الشهوة واللذات من المآكل والمشارب والمناكح وسائر الملاذ البدنية والشهوات الحسية، وهذه القوى متباينة جدا فمتى غلب أحدها انقهرت الباقيات وربما أبطل بعضها فعل بعض، والفضيلة البشرية تعديل هذه القوى لأن لكل من هذه القوى طرفي أفراط وتفريط، فأما القوة العاقلة فالسفاهة والبلاهة والقوة الغضبية التهور والجبن والقوة الشهوية الشره وخمود الشهوة، فالقوة العاقلة تحصل من تعديلها فضيلة العلم والحكمة والغضبية تحصل من تعديلها فضيلة الشجاعة والقوة الشهوية تحصل من تعديلها فضيلة العفة، وإذا حصلت هذه الفضائل الثلاث التي هي في حاق الأوساط وتعادلت حصل منها فضيلة رابعة وملكة راسخة هي أم الفضائل وهي المعبر عنها بالعدالة، فهي إذا ملكة نفسانية تصدر عنها المساواة في الأمور الصادرة عن صاحبها، وتحت كل واحدة من هذه الفضائل الثلاث المتقدمة فضائل أخرى وكلها داخلة تحت العدالة فهي دائرة الكمال وجماع الفضائل على الاجمال.
وأما في اصطلاح أهل الشرع الذي هو المقصود الذاتي بالبحث فأقوال:
(الأول) ما هو المشهور بين أصحابنا المتأخرين من أنها ملكة نفسانية تبعث على ملازمة التقوى والمروة، واحترزوا بالملكة عما ليس كذلك من الأحوال المنتقلة بسرعة كحمرة الخجل وصفرة الوجل بمعنى أن الاتصاف بالوصف المذكور لا بد أن يكون من الملكات الراسخة التي يعسر زوالها.
واختلف كلامهم في معنى التقوى، فقيل هي اجتناب الكبائر والصغائر من المكلف العاقل، ونسبه شيخنا الشهيد الثاني إلى جماعة من أجلاء الأصحاب كالشيخ