ربما يؤمي إلى إرادة هذا المعنى من هذه الروايات خبر أبي بصير قال سئلته عن الرجل والمرأة يصليان في بيت واحد المرأة عن يمين الرجل بحذاه قال لا الا ان يكون بينهما شبر أو ذراع ثم قال كان طول رحل رسول الله صلى الله عليه وآله ذراعا وكان يضعه بين يديه إذا صلى يستره ممن يمر بين يديه إذ الظاهر أن قوله عليه السلام كان طول رحل رسول الله صلى الله عليه وآله الخ بمنزلة الاستشهاد لكفاية شبر أو ذراع فهذا يكشف عن أن المراد بالشبر والذراع ما كان طوله كذلك والا فلا مناسبة بين الكلامين فيستفاد من ذلك أنه يكفي في الحاجز المعتبر في هذا الباب مثل ما يكفي حاجزا عمن يمر بين يديه وهو ما كان طوله اي ارتفاعه شبرا أو ذراعا بل لعل هذا المعنى الذي ينسبق إلى الذهن من اطلاق قوله ما لا يتخطى كما أنه هو المناسب ارادته من الصحيحتين المتقدمتين اللتين وقع فيهما التعبير بلفظ لا ينبغي إذ لو لم يحمل قوله عليه السلام في الصحيحتين فإن كان بينهما شبر اجزئه على هذا المعنى لحصلت المنافرة بينه وبين قوله عليه السلام لا ينبغي ذلك بعد وقوعه جوابا عن السؤال عن أن الرجل يصلي في زاوية الحجرة وامرأته أو ابنته تصلي بحذاه في الزاوية الأخرى إذ لا يكاد يوجد عادة زاويتا حجرة لا يتحقق بين من يصلي فيهما الفصل بينهما بمقدار شبر كي يحسن بملاحظته اطلاق قوله لا ينبغي ذلك وحمله على إرادة ما لو كان الرجل متقدما على المرأة بمقدار الشبر وان كان موجبا لاندفاع هذا التدافع ولكن إرادة هذا المعنى من تلك العبارة في غاية البعد وربما يؤيد المعنى المزبور أيضا رواية علي بن جعفر المروية عن قرب الإسناد عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في مسجد قصير الحائط وامرأة قائمة تصلي بحياله وهو يراها وتراه قال إذا كان بينهما حائط قصير أو طويل فلا باس و خبره الاخر المروي عن كتاب مسائله عن أخيه قال سئلته عن الرجل هل يصلح ان يصلي في مسجد وحيطانه كوى كله قبلته وجانباه وامرأته تصلي بحياله يراها ولا تراه قال لا باس وكيف كان فاحتمال إرادة هذا المعنى من الروايات ان لم يكن بأقوى من سائر الاحتمالات فليس بأضعف منها فليتأمل ثم لا يخفى عليك ان ابداء الاحتمال المزبور في تفسير الشبر والذراع الواردين في الاخبار غير قادح في الاستدلال بها للقول بالمنع بل يؤكد دلالتها عليه إذ لو أريد بها ظاهرها من اعتبار هذا المقدار من الفصل لتوجه عليه ما قد يقال من أن اختلاف التحديدات الواردة في الباب من امارات الكراهة القابلة للشدة والضعف كما في منزوحات البئر ولا يتمشى هذا الكلام على تقدير ان يكون المراد بالشبر والذراع ما كان طوله اي ارتفاعه بهذا المقدار لامكان الجمع حينئذ بين مجموع الاخبار بتقييد بعضها ببعض على وجه يساعد عليه الصرف كما هو واضح فيكون المحصل من مجموع الأخبار المتقدمة بناء على إرادة هذا المعنى انه لا يجوز ان يصليا معا الا ان يتقدم الرجل عليها ولو بصدره كما يدل عليه صحيحة زرارة المتقدمة أو يكون الفصل بينهما بمقدار عشرة اذرع كما يشهد له موثقة عمار أو يكون فاصل بينهما بطول شبر فما زاد ولكن الالتزام بكفاية هذا المقدار من الحاجز في رفع المنع مشكل لمخالفته لظاهر كلمات الأصحاب ان لم يكن صريحها الا ان هذا لا ينفي احتمال ارادته من الاخبار مع أنه حكى القول به عن بعض وربما يستدل للقول بالمنع أيضا بمرسلة ابن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلي والمرأة بحذائه أو إلى جانبه فقال إذا كان سجودها مع ركوعه فلا باس ومرسلة ابن فضال عن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلي والمرأة بحذائه أو إلى جنبه قال إذا كان سجودها مع ركوعه فلا باس بدعوى ان المراد بكون سجودها مع ركوعه محاذاة موضع سجودها لموضع ركوعه وفيه ان ما ذكر في تفسيره تأويل لا شاهد عليه مع أنه لا يخلو عن تشابه حجة القائلين بالجواز صحيحة جميل عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا باس ان تصلي المرأة بحذاء الرجل وهو يصلي فان النبي صلى الله عليه وآله كان يصلى وعايشة مضطجعة بين يديه وهي حائض وكان إذا أراد ان يسجد غمز رجلها فرفعت رجلها حتى يسجد وخبر ابن فضال عمن اخبره عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلي والمرأة تصلي بحذاه فقال لا باس ونوقش في الصحيحة باشتمالها على علة غير مناسبة إذ لا كلام في جواز ان يصلى الرجل وبين يديه امرأة قائمة أو نائمة كما دل عليه سائر الأخبار فيغلب على الظن وقوع التصحيف في الرواية بان كانت هكذا لا باس ان تضطجع المرأة بحذاء الرجل الخ وفيه ما لا يخفى ضرورة ان ثبوت نفي الباس عن أن يصلي الرجل والمرأة قائمة أو نائمة بين يديه عندنا بواسطة الاخبار الواصلة الينا عن الأئمة عليهم السلام لا يستلزم وضوحه لدى المخاطبين بهذا الكلام فلعلهم لم يكونوا يتوهمون المنع عن أن يصلي الرجل وتصلي المرأة بحذائه الا من حيث كونها شاغلة لقلبه أو غير ذلك من الجهات التي لو كانت مقتضية للمنع لكان اقتضائها له حين اضطجاعها بين يديه وغمزه لها أشد والحاصل انه لا ينبغي الالتفات إلى مثل هذه الخدشات في طرح الروايات فهذه الصحيحة بملاحظة ما وقع فيها من التعليل كادت تكون صريحة في نفي الباس عن المحاذاة مطلقا بل وكذا التقدم أيضا وان لم يكن فيها تصريح به واما الخبر الثاني فيحتمل قويا اتحاده مع الأولى فيؤكدها وينفي عنها احتمال وجود خال في متنها وان كان هذا الاحتمال في حد ذاته غير معتني به وعلى تقدير كونه رواية مستقلة فهي أيضا كالنص في المدعى فإنه وان أمكن تقييده بما إذا كان الفصل بينهما بأكثر من عشرة اذرع جمعا بينه وبين موثقة عمار لكن ارتكاب هذا النحو من التقييد الذي هو في غاية البعد بل لا يبعد دعوى القطع بعدم ارادته من الرواية ابعد من حمل الباس المفهوم من الأخبار المانعة على الكراهة فهذا هو المتعين في مقام الجمع خصوصا مع وجود الشاهد له وهو الصحيحتان المتقدمتان اللتان وقع فيهما التعبير بلفظ لا ينبغي الظاهر في الكراهة وصحيحة الفضيل المروية عن العلل عن أبي جعفر عليه السلام قال انما سميت مكة بكة لأنه تبك فيها الرجال والنساء والمرأة تصلي بين يديك وعن يمينك وعن يسارك ومعك ولا باس بذلك وانما يكره في سائر البلدان إذ المراد بالكراهة في هذه الرواية على الظاهر معناها المصطلح لا لوقوع التعبير بلفظ يكره الذي قد لا يأبى عن إرادة الحرمة بل لعدم القول بالفصل بين مكة وغيرها بناء على الحرمة واستبعاد كون الزحام الحاصل في مكة موجبا لرفع المنع على تقدير كونه تحريميا ومما يدل على الجواز أيضا خبر عيسى بن عبد الله القمي سئل الصادق عليه السلام عن امرأة صلت مع الرجال وخلفها صفوف وقد أمها صفوف قال مضت صلاتها ولم تفسد على أحد ولا تبعد وربما يستدل له أيضا بالأخبار المستفيضة المتقدمة النافية للباس إذا كان بينه وبينها ذراع أو شبر أو قدر ما لا يتخطى إذ لا يلتزم القائلون بالمنع بكفاية هذا المقدار من الفصل فلابد اما من طرح هذه الأخبار الكثيرة أو الالتزام بكون الحكم على سبيل الكراهة التي لا تنافيها اختلاف التحديدات الواقعة في الاخبار ولكنك عرفت امكان حمل تلك الأخبار على معنى لا يلزمه اختلاف التحديد في مقدار ما يعبر من الفصل بحمل اخبار الشبر على ما كان ارتفاعه بمقدار الشبر وان لم
(١٧٩)