لهذا المفهوم المحرم الذي لا يتخلف عنه حكمه بمقتضى عموم أدلته بعد فرض كونه اختياريا للمكلف بهذا العنوان المقبح له موصوف بالفعل بالقبح وموجب لاستحقاق العقاب عليه فلا يحبه الله بل يبغضه فلا يكون مقربا إليه تعالى كي يصح وقوعه عبادة وما يقال من أن الامر متعلق بطبيعة الصلاة وهي من حيث هي محبوبة لله والفرد الخارجي متقدمة لايجاد الطبيعة ووجوب المتقدمة على القول به توصلي بجواز اجتماعه مع الحرام فكلام حال عن التحصيل إذ بعد تسليم جميع المقدمات والغض عما يرد عليها من المناقشات انه ليس لطبيعة الصلاة التي زعم أن الفرد مقدمة لحصولها وجود مغاير لوجود الفرد كي يختلف حكمهما من حيث الوجوب والحرمة ضرورة ان الفرد مصداق للطبيعة فيحمل الطبيعة عليه بالمعاطاة وقضيته الاتحاد في الوجود فالحركات الخاصة كما انها ايجاد للفرد كذلك بعينها ايجاد للطبيعة وهي بعينها محرمة لكونها مصداقا لمهية الغصب فلا يعقل أن تكون عبادة وربما يستدل للبطلان أيضا بالمراسل المروي عن غوالي اللئالي عن الصادق عليه السلام قال سئله بعض أصحابه فقال يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله ما حال شيعتكم فيما خصكم الله به إذا غاب غائبكم واستتر قائمكم فقال عليه السلام ما أنصفناهم ان وأخذناهم ولا أحببناهم ان عاقبناهم بل نبيح لهم المساكن لتصبح عباداتهم الحديث والمروي عن تحف العقول للحسن بن علي بن شعبة وبشارة المصطفى لمحمد بن القاسم الطبري عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لكميل يا كميل انظر فيما تصلي به وعلى ما تصلي ان لم يكن من وجهه وحله فلا قبول ولا يخفى ما فيهما من ضعف السند بل في ثانيهما قصور الدلالة أيضا ولكنه قد يدعى انجبار ضعفهما بالعمل وفيه نظر فتلخص مما ذكر ان عمدة المستند انما هي استحالة التعبد بما يوجب استحقاق العقاب عليه ويتحقق به المعصية وحيث انه يعتبر في الصلاة وقوعها بنية التقرب فلابد من أن لا يتحد شئ من افعاله مع ماهية الغصب والا فيفسد ذلك الجزء ويبطل لأجله الصلاة ولا بتفاوت الحال في ذلك بين ان يكون المغصوب موقف المصلي ولو بوسائط أو الفضاء الذي يصلي فيه ولا بين كونه مغصوبا عينا أو منفعة بل ومن الغصب التصرف في الأعيان الذي تعلق بها حق مالي للغير كحق التحجير المانع من تصرف الغير بالحجر وان لم يدخل به في ملكه اللهم الا ان يمنع اقتضاء حق التحجير أزيد من حرمة الاستيلاء عليه ومعارضته المحجر في رفع يد ه عنه وربما لا يحصل هذا المعنى بافعال الصلاة إذا لم تكن بعنوان المزاحمة واما بطلان الصلاة فهو من اثار استحقاقه للمنافع اما مستقلا كما في العين المستأجرة أو تبعا للعين المملوكة حتى تكون التصرفات الخاصة الحاصلة بفعل الصلاة منافية لحقه وهذا المعنى مساوق للملكية فلو كان التحجير مفيد لهذه المرتبة من الاستحقاق لكان تسميته حقا لا ملكا مجرد اصطلاح فليتأمل واشكل من ذلك الالتزام بالبطلان فيما لو صلى فيما يستحقه الغير بالسبق في المشتركات كالمسجد ونحوه من غير رضاء السابق خصوصا إذا لم يكن المصلي مانعا له عن استيفاء حقه بل دفعه مثلا شخص عن مكانه فصلى ثالث في ذلك المكان فان الأقوى الصحة في هذا الفرض واما لو صلى فيه نفس الدافع ففيه تردد ولا فرق فيما ذكر من اشتراط صحة الصلاة بإباحة المكان بين اليومية وغيرها فريضة كانت أم نافلة وحكى عن بعض العامة أنه قال يصلي الجمعة والعيد والجنازة في الموضع المغصوب لان الامام إذا صلى في موضع مغصوب فامتنع الناس فاتتهم ولهذا أبيحت الجمعة خلف الخوارج والمبتدعة أقول كلام هذا البعض بحسب الظاهر مبني على عدم اشتراط الصلاة بإباحة المكان كما حكى عن أكثرهم فنزاعه بحسب الظاهر في الحكم التكليفي وكيف كان فنقول اما الصلاة خلف الخوارج والمبتدعة وكذا خلف من صلى في مكان مغصوب لو لم يكن معذورا في ذلك الجهل أو نسيان وشبهه فلا تجوز عندنا لاشتراط جواز الايتمام بعدالة الامام المنتفية في هذه الفروض واما ان كان الامام ممن يجوز الاقتداء به فصلى الجمعة بعدد ينعقد بها الجمعة في مكان مغصوب جاهلين بغصبية المكان أو صلوها في مكان مباح لا يسع غيرهم فربما يشكل الامر حينئذ بالنسبة إلى سائر المكلفين على القول بوجوب الجمعة عليهم عينا حيث يدور امرهم بين المحذورين فلا يبعد الالتزام حينئذ بالتخيير وان كان الأظهر تغليب جانب الحرمة لا لما قيل من أنه الأصل في دوران الامر بين المحذورين فإنه لم يثبت هذا الأصل بل لان وجوب الجمعة عينا على القول به مشروط بالاختيار لان الظهر بدل اضطراري عنها وكل ما كان له بدل اضطراري لا يصلح ان يزاحم تكليفا اخر كما تقدمت الإشارة إليه مرارا وكذلك الكلام في صلاة العيدين فان وجوب الاتيان بها جماعة مشروط بان لم يكن له عذر عقلي أو شرعي في تركه فلا يزاحم شيئا من التكاليف المطلقة واما صلاة الجنازة فوجوبها كفائي يسقط بفعل الامام فلا يبقي موقع لتوهم صلاحيتها في حق من عداه لتخصيص ما دل على حرمة الغصب كما هو واضح وحكى في كشف اللثام عن المحقق صحة النافلة في المغصوب معللا بان الكون ليس جزء منها ولا شرطا فيها ثم قال كاشف اللثام يعني انها تصح ماشيا مؤميا للركوع والسجود فيجوز فعلها في ضمن الخروج المأمور به والحق انها تصح ان فعلها كذلك لا ان قام وركع وسجد فان هذه الأفعال وان لم يتعين عليه فيها لكنها أحد الافراد الواجب فيها انتهى أقول وكان المحقق قدس سره يرى أن التصرف في المكان المغصوب الحاصل حال الصلاة الذي قضت الأدلة بحرمته انما هو تحيزه وكونه في المكان اي شغله له وقراره عليه وهذا المعنى مما لا دخل له في حقيقة افعال النافلة من حيث هي بل هو من لوازم حصولها في هذا المكان فلا ينافي حرمة كونه فيه لصحة تلك الأفعال ما لم تكن المقدمة منحصرة وهذا بخلاف الفريضة فإنه اعتبر فيها الاستقرار الذي هو عبارة عن ثبوته في مكانه وهو منهى عنه فتبطل الفريضة لأجله ولولا اعتبار هذا الشرط فيها لأمكن القول بصحتها إذ لا مدخلية للكون في سائر افعالها كما هو واضح بالنسبة إلى النية والقراءة وأشباههما واما ما عداهما من الاستقبال والقيام والقعود والركوع والسجود فكذلك فإنه وان كان قد يعبر عن مثل هذه الأمور بالأكوان الصلاتية لكنها لدى التحليل خارجة عن حقيقة الكون الذي يحصل به التصرف في الغصب فان الاستقبال عبارة عن التوجه إلى القبلة وهو نسبة حاصلة بين المصلي وبين القبلة أجنبية عن حقيقة الكون واما ما عداه من المذكورات فهي أوضاع خاصة حاصلة من نسبة بعض أعضاء المصلي إلى بعض ونسبة المجموع إلى الخارج فهي حالة قائمة بالمصلي حاصلة من حركات مخصوصة هي مقدمات هذه الأفعال وليست مأخوذة في مهية الصلاة
(١٧٣)