يخل ذلك أيضا عن اشكال لا يلتزم به القائلون بالمنع مع أنه قد يأبى عن هذا الحمل بعض الأخبار كصحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام في المرأة تصلي إلى جنب الرجل قريبا منه فقال إذا كان بينهما موضع رحل فلا باس وصحيحة زرارة المروية عن مستطرفات السرائر من كتاب حريز عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له المرأة والرجل يصلي كل واحد منهما قبالة صاحبه قال نعم إذا كان بينهما قدر موضع رحل بل الاتصاف ان حمل أغلب الاخبار النافية للباس عنه إذا كان بينهما شبر أو ذراع على المعنى المزبور كحملها على تأخرها عنه بهذا المقدار لا يخلو عن بعد فلا يبعد ان يدعى ان هذا النحو من الاختلاف الواقع في هذه الأخبار على كثرتها وتظافرها مع كونها بأسرها واردة في مسألة خاصة وهي ما لو صلى الرجل بحذاء المرأة من أقوى الشواهد على الكراهة وان أبيت عن هذا الحمل فالمتعين هو الالتزام بمقالة الجعفي بعد حمل ما وقع في كلامه من التحديد بعظم الذراع على إرادة التحديد التقريبي بحيث لا ينافيه الاكتفاء بالشبر الذي هو أقل من عظم الذراع بمقدار غير معتد به لاستفاضة الاخبار النافية للبأس إذا كان الفصل بينهما بمقدار شبر أو عظم الذراع أو ما لا يتخطى وقدر موضوع رحل ولا منافاة بين هذه الأخبار لقرب مضامينها و شهادة بعضها بكون التحديد بما زاد على الشبر تقريبيا حيث وقع في بعضها التحديد بشبر أو ذراع على سبيل الترديد وفي بعضها الاخر بقدر ما لا يتخطى أو قدر عظم الذراع فصاعدا والحاصل ان هذا النحو من الاختلاف الذي هو في هذا الصنف من الاخبار ليس على وجه يجعلها من الاخبار المتعارضة ولا يصلح موثقة عمار الدالة على المنع الا ان يجعل بينها وبينه أكثر من عشرة اذرع لمعارضة هذه الطائفة من الاخبار لقصورها عن المكافئة سندا ودلالة فلابد من حملها على الكراهة وكذا صحيحة زرارة الناهية عن أن تصلي المرأة بحيال الرجل الا ان يكون قدامها ولو بصدره فان حمل النهي في هذه الصحيحة على الكراهة أولى من ارتكاب التأويل في هذه الأخبار المستفيضة التي قد يأبى بعضها عن التأويل كما تقدمت الإشارة إليه مع اعتضادها بالاخبار الدالة على الجواز مطلقا التي قد عرفت كون بعضها كالصريح في نفي الباس عن المحاذاة الحقيقية واما تلك الأخبار اي الأخبار المطلقة النافية للباس فهي أيضا لا تصلح لمعارضة هذه الروايات فان تقييدها بما إذا كان بينهما شبر أو ذراع من أهون التصرفات حيث إن الغالب وجود هذا المقدار من الفصل بين الرجل والمرأة التي تصلي بحياله فلا يبعد كون الاطلاقات جارية مجرى الغالب فالانصاف عدم صلاحية شئ من الاخبار لمعارضة هذه الروايات فمن هنا قد يقوى في النظر القول المحكى عن الجعفي الا ان الأقوى خلافه لضعف ظهور هذه الأخبار في حد ذاتها في الحرمة بل عدم دلالتها عليها الا بملاحظة ما قد يدعى من أن المنساق إلى الذهن من الباس المفهوم منها عند انتفاء الفصل بمقدار الشبر هو العذاب الذي هو ملزوم وللحمرة وهو في حد ذاته لا يخلو عن تأمل وعلى تقدير التسليم فليس ظهوره في ذلك بأقوى من ظهور المطلقات النافية للباس في الجواز على الاطلاق مع اعتضادها بالاخبار المتقدمة التي ظاهرها الكراهة هذا مضافا إلى شذوذ القول بالمنع فيما دون الشبر فقط بل مخالفته للاجماع ظاهرا والله العالم وينبغي التنبيه على أمور الأول ان المتبادر من الأوامر والنواهي المتعلقة بكيفيات الاعمال المركبة من العبادات وغيرها كونها مسوقة لبيان التكليف الغيري الناشي من الشرطية والجزئية أو المانعية كما تقدمت الإشارة إليه مرارا فالنهي عن أن يصلي الرجل بحذاء المرأة لايراد منه بحسب الظاهر الا بيان مانعية المحاذاة عن صحة صلاته بناء على إرادة الحرمة منه وعن كمالها على تقدير الكراهة فمن هنا قد يقوى في النظر في لفرق في بطلان صلاته على القول بالمنع بين كونه مع العمد والالتفات أو الغفلة والنسيان أو الجهل بالموضوع أو بحكمه وكونه معذورا في بعض هذه الأحوال من حيث الحكم التكليفي لا يجدي في تخصيص المانعية المستفادة من النواهي المطلقة بغير تلك الحالة لان هذا انما يجدي فيما إذا كانت الشرطية أو المانعية مسببة عن تكليف نفسي مستقل فيختص الشرطية حينئذ بصوره تنجز ذلك التكليف كشرطية إباحة المكان للصلاة الناشئة من حرمة التصرف في مال الغير بخلاف ما إذا كان الامر بالعكس كما فيما نحن فيه فإنه لا مقتضى حينئذ للتخصيص إذ لا فرق فيما يتفاهم عرفا بين ما إذا قال الشارع القبلة شرط للصلاة أو قال يجب الاستقبال في الصلاة أو قال أينما كنتم فولوا وجوهكم شطر المسجد الحرام في أنه يستفاد من كل من هذه التعبيرات شرطية الاستقبال للصلاة على الاطلاق ومقتضاه بطلانها بالاخلال به مطلقا من غير فرق بين العمد والسهو لولا دليل حاكم عليه غاية الأمر انه في حال السهو معذور لمخالفة التكليف بالمشروط لا ان الشرطية مخصوصة بحال العمد وتمام الكلام في ايضاح المقام موكول إلى محله فتلخص مما ذكر ان مقتضى اطلاقات الأدلة على القول بالمنع بطلان الصلاة مع المحاذاة مطلقا وان لم يعلم بها الا بعد الفراغ كما صرح به غير واحد ولكن الأقوى اختصاصه بصورة العمد والالتفات لحكومة قوله عليه السلام لا تعاد الصلاة الا من خمسة الخ على مثل هذه الاطلاقات كما هو واضح الثاني لو شك في وجود من يصلي بحذائه بنى على عدمه للأصل الثالث ظاهر كلمات الأصحاب بل صريح جملة منها في لفرق في هذا الحكم كراهة أو تحريما بين الرجل و المرأة وربما يستأنس له بقاعدة الاشتراك وان كانت أجنبية عن المورد ويمكن الاستشهاد له ببعض الأخبار المتقدمة كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال سئلته عن المرأة تزامل الرجل في المحمل تصليان جميعا قال لا ولكن يصلي الرجل فإذا فرغ صلت المرأة ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الرجل والمرأة يصليان جميعا في المحمل قال لا ولكن يصلي الرجل وتصلي المرأة بعده وصحيحة ابن أبي يعفور قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أصلي والمرأة إلى جنبي وهي تصلي فقال لا الا ان تتقدم هي أو أنت فان هذه الروايات بحسب الظاهر مسوقة لبيان حكم كل منهما لا خصوص الرجل وقد ورد في صحيحة علي بن جعفر الواردة في امرأة قامت بحيال امام قوم الامر بإعادة المرأة لصلاتها التي صلت معهم ولكنك عرفت فيما سبق امكان الخدشة في دلالة هذه الصحيحة على ما نحن فيه والله العالم الرابع على القول بالمنع لو اقترن الصلاتان بطلتا جميعا ولو تعاقبتا اختص البطلان باللاحقة كما صرح به غير واحد خلافا لآخرين بل المشهور على ما ادعاه بعضهم لان اللاحقة ليست بصلاة كي تصلح مانعة عن صحة السابقة فإذا دخل الرجل في صلاته ليس لامرئة ان تصلي بحذائه ما لم يفرغ من صلاته والحال هذه لم تصح صلاتها فهي كصلاة المحدث
(١٨٠)