له شبهة مصداقية، بل الامر يدور حينئذ بين قلة التخصيص وكثرته، فيخرج من محل الكلام.
وأما كلام صاحب الكفاية، فلانا لا نتصور الفرق بين كون المخصص لفظيا، وبين كونه لبيا بعد كون اللبي أيضا حجة، لان رفع اليد عن العام بسبب المخصص اللبي ليس إلا لكونه حجة أقوى من العام، و حينئذ فيصير العام بسببه مقصور الحجية على ما بقي مثل ما ذكر في المخصص اللفظي، طابق النعل بالنعل. وبالجملة: أي فرق بين أن يصدر نحو (لا تكرم أعداء المولى) عن نفس المولى، وبين أن يحكم به العقل، بعد فرض حجيته على التقديرين، وأقوائيته من العام، وكون المراد من المخصص - كيف ما كان - أفراده الواقعية، لا العلمية فقط.
ولقائل أن يقول: إن للحجية - كما ذكرنا سابقا - مرتبتين: (الأولى) حجية نفس الكبريات والعمومات، وفي هذا المقام لا نحتاج إلى إحراز الصغريات. (الثانية) حجيتها بالنسبة إلى المصاديق، وفي هذا المقام نحتاج إلى إحراز المصاديق والصغريات، فلا يكون قوله:
(لا تشرب الخمر) مثلا حجة بالنسبة إلى هذا الفرد الخارجي، إلا بعد إحراز خمريته، وإن كان نفس الكبرى في حجيتها لا تحتاج إلى إحرازها، وعلى هذا فالحكم العقلي أيضا على قسمين: الأول: حكم كلي لا يحتاج العقل في حكمه به إلى إحراز الصغرى، كحكمه بحرمة إكرام أعداء المولى.
الثاني: حكم جزئي يحتاج في حكمه به إلى العلم بالصغرى والكبرى معا، كحكمه بحرمة إكرام زيد مثلا، فإنه يحتاج في حكمه به إلى إحراز عداوة زيد، حتى تجعل هذه صغرى لحكمه الأول، فتنتج حرمة إكرامه.
إذا عرفت هذا فنقول: بعد أن صدر عن المولى قوله: (أكرم جيراني) يحتمل أن يكون قد اعتمد في تخصيص حكمه هذا على الحكم الثاني للعقل دون الأول، ونتيجة ذلك حجية كلامه في غير ما أخرجه العقل بحكمه الثاني المتوقف على إحراز الصغرى، فتصير المصاديق المشتبهة محكومة بحكم العام قهرا. وبعبارة أخرى: يمكن أن يكون إكرام الجيران في نظر المولى، بمثابة من الأهمية، بحيث تقتضي إكرام الافراد الذين تحتمل عداوتهم له أيضا احتياطا لتحصيل الواقع، و إنما الذي لا يجب هو إكرام خصوص من ثبتت عداوته، فاعتمد في إخراجهم على الحكم الثاني للعقل، ولا دليل على اعتماده على الحكم الأول له حتى يصير موجبا لاجمال العام.
ولا يخفى عدم جريان هذا البيان في المخصصات اللفظية، إذ الفرض أن المولى بنفسه قد ألقى المخصص، فلا يمكن عدم اعتماده عليه، بل يصير حجة أقوى في قبال العام موجبا لقصر حجيته على ما بقي تحته واقعا.