الفصل الأول:
تعريف المطلق والمقيد اعلم أنهم قسموا اللفظ إلى المطلق والمقيد، وعرفوا المطلق بأنه ما دل على شائع في جنسه، والمقيد بخلافه. والظاهر من التعريفين أن الاطلاق والتقييد عندهم وصفان لنفس اللفظ، لكن بلحاظ المدلول، فإن كان مدلول اللفظ شائعا سمي اللفظ مطلقا، وإن لم يكن كذلك سمي اللفظ مقيدا.
ثم لا يخفى أن ظاهر كلامهم أيضا كون التقسيم للفظ في حد ذاته مع قطع النظر عن تعلق حكم به، فيوجد القسمان في الألفاظ، وتتصف بالوصفين، سواء كان في البين حكم أم لا، فيتحقق في الألفاظ نوعان متمايزان: نوع مطلق، ونوع مقيد، نظير انقسام الكلمة إلى الاسم و الفعل والحرف.
وهذا فاسد جدا: فإن اللفظ في حد ذاته لا يتصف بالاطلاق والتقييد، بل التقسيم إليهما والاتصاف بهما بلحاظ الحكم، فاللفظ الذي يكون لمدلوله شياع وانتشار ذاتا إذا صار موضوعا لحكم من الاحكام سواء كان حكما وضعيا أم تكليفيا فإن كان تمام الموضوع لهذا الحكم سمي مطلقا، وإن لم يكن تمام الموضوع لهذا الحكم، بل كان في مقام الموضوعية مقيدا بقيود، سمي مقيدا، فالرقبة مع كونها لفظا واحدا إن جعلت تمام الموضوع للحكم اتصفت بالاطلاق، وإن جعلت مقيدة بقيد موضوعا له اتصفت بالتقييد، فالرقبة في قولنا: (أعتق رقبة) مطلقة، وفي قولنا:
(أعتق رقبة مؤمنة) مقيدة، فاللفظ الواحد يمكن أن يتصف بالاطلاق بلحاظ حكم، وبالتقييد بالنسبة إلى حكم آخر، وحيث إن الموضوع للحكم حقيقة هو نفس المدلول، واللفظ يكون موضوعا في القضية الملفوظة، فلا محالة يكون الاطلاق والتقييد أولا وبالذات وصفين لنفس المعنى الذي له شيوع أفرادي أو أحوالي، وبتبع المعنى يتصف اللفظ بهما. وكيف كان فالاتصاف بهما إنما يكون بلحاظ الموضوعية للحكم، فإن لوحظ تمام الموضوع له من دون أن تؤخذ معه حيثية