وفيه: أن الامر الانشائي ليس قابلا للشدة والضعف بنفسه لأنه أمر اعتباري صرف، وليست الأمور الاعتبارية قابلة للتشكيك بذواتها [1] هذا ما قيل في مقام الفرق بين الوجوب والندب، وقد عرفت فساد الجميع.
وتلخيص المقام: هو أن الوجوب والندب قسمان من الطلب الانشائي الذي هو اعتبار من اعتبارات العقلا، وينتزع عن مثل (افعل) و نحوه، ولهذا الأمر الاعتباري مباد سابقة عليه وآثار لا حقة له عند العقلا، واللازم في مقام تشخيص ما به يمتاز الوجوب من الندب هو قطع النظر عن مبادئ الطلب وعلله وعن آثاره ولوازمه، والدقة في أن نفس هذا الأمر الاعتباري في أي وقت ينتزع عنه الوجوب و يترتب عليه حكم العقلا باستحقاق العقوبة، وفي أي وقت ينتزع عنه الندب، ويترتب عليه حكم العقلا بعدم الاستحقاق.
المنشأ لانتزاع الوجوب والاستحباب:
والتحقيق: أن الفرق بين قسميه بالشدة والضعف، ولكن لا بالشدة و الضعف في ذات الطبيعة، لما عرفت من أن الأمر الاعتباري لا يقبل التشكيك الذاتي، بل بالشدة والضعف المنتزعين بحسب المقارنات، فكما أن الاختلاف بين البياض الشديد والضعيف ليس إلا بكون البياض في الثاني مخلوطا بغيره من الألوان الاخر، كالكدورة مثلا بخلافه في الأول، وبعبارة أخرى يكون الامتياز بينهما باعتبار وجود المقارنات وعدمها، فكذلك الاختلاف بين الوجوب والندب ليس إلا باعتبار المقارنات، فالطلب المنشأ بالصيغة أمر واحد، و ليس له نوعان متمايزان بالفصل أو بالتشكيك في ذاتيهما، بل يختلف أفراده باعتبار ما يقترن به، فقد يقترن هذا الامر الانشائي بالمقارنات الشديدة فينتزع عن الطلب المقترن بها وصف الشدة، وقد يقترن بالمقارنات الضعيفة فينتزع عن الطلب المقترن بها عنوان الضعف، وقد لا يقترن بشئ أصلا، مثلا من يقول لعبده [1] أقول: يمكن أن يقال كيف لا يقع التشكيك الذاتي في الأمور الاعتبارية إذا كانت شدتها وضعفها أيضا بالاعتبار، إذ من الواضح إمكان أن يعتبر العقلا تارة وجود طلب شديد وأخرى وجود طلب ضعيف. كما أن الطلب الحقيقي أعني البعث والتحريك العملي الحاصلين بأخذ يد المطلوب منه وجره نحو العمل قد يكون بنحو الشدة والعنف وقد يكون بنحو الضعف، وحينئذ فيمكن أن يقال إن المقارن الشديد قرينة على أن المنشأ بالصيغة طلب شديد، والمقارن الضعيف قرينة على أن المنشأ بها طلب ضعيف، والمجردة عن المقارن خالية عن القرينة. ح - ع - م.