ولكن التدقيق الفلسفي يقتضى خلاف ذلك فان الامر المستقبل ان لوحظ بالنسبة إلى الوجود قبل ظرفه المقدر له في عمود الزمان فهو محفوف بامتناعين لعدم تحقق علته في هذا الوقت وان لوحظ بالنسبة إلى وجوده في ظرفه فهو محفوف بالضرورتين لوجود علته في هذا الظرف.
وقد يذكر الامكان ويراد به الاحتمال كما في عبارة الشيخ (ابن سينا):
(كلما قرع سمعك من الغرائب فذره في بقعة الامكان ما لم يذدك عنه قاطع البرهان). أي كلما سمعته فلا تبادر إلى نفيه أو إثباته بلا دليل بل ذره في بقعة الاحتمال.
وقد ذكر الأصوليون معنى اخر للامكان سموه بالوقوعي وهو كون الشئ بحيث لا يلزم من وقوعه امر محال وفي مقابله الامتناع الوقوعي وهو ما يلزم من وقوعه ذلك. والفرق بين الامتناع الذاتي و الوقوعي، ان الأول عبارة عن كون الشئ بالنظر إلى نفسه مستحيلا، والثاني عبارة عن كونه مما يترتب عليه المحال وإن كان بالنظر إلى نفس ذاته ممكنا وبهذا البيان يظهر الفرق بين الامكانين.
المراد من الامكان:
إذا عرفت ما ذكرنا فنقول: لا ريب في أن المراد بالامكان في عنوان المسألة، هو الوقوعي دون غيره من المعاني، إذ من يدعى امتناع التعبد بالظن انما يدعى ذلك من جهة توهم انه يترتب على التعبد به أمور مستحيلة كما يأتي بيانها ولا يتوهم أحد انه من الممتنعات الذاتية، كما لا يخفى.
ثم إنه إذا شك في إمكان شي بالمعنى الأخير أعني الوقوعي فلا يحكم بأحد طرفي الشك ولا معنى لكون مقتضى الأصل هو الامكان كما توهم، إذ الامكان ليس حكما شرعيا فلا مجال للتعبد فيه. مضافا إلى أن حجية هذا الأصل يتوقف على إمكان التعبد به وهو أول الكلام لأنه المتنازع فيه في المسألة.
نعم في المقام شي يجب ان ينبه عليه وهو انه لو لم يكن لنا دليل على التعبد بالامارات ونحوها فالبحث عن إمكانه وامتناعه لغو، وإن كان لنا دليل على التعبد وجب الاخذ بمضمونه ما لم يثبت الامتناع، فان صرف احتمال الامتناع واقعا لا يكون معذرا لرفع اليد عن ظاهر الدليل.
نعم لو ثبت الامتناع، رفع اليد عن ظاهره وبالجملة فليس علينا إثبات الامكان فيما دل عليه ظاهر الدليل، بل العقل يحكم بوجوب الاخذ به ما لم يثبت امتناعه، ولكن لا يدل هذا على