التحقيق في المقام:
هذه خلاصة ما قيل في المقام وإن شئت تحقيق المسألة فاعلم أن اللازم أولا هو الرجوع إلى مقام الثبوت، وبيان ما هو الملاك في تقييد المادة وما هو الملاك في تقييد الهيئة، والتأمل في أنه هل يتصور - بحسب مقام الثبوت - كون مفاد الهيئة مقيدا أو لا يتصور؟ فنقول، و عليه التكلان: إن الأوامر الشرعية المتعلقة بأفعال المكلفين ليست جزافية بضرورة من مذهب العدلية، بل كل واحد من الأوامر الشرعية قد صدر عن الشارع، إما من جهة كون متعلقه مشتملا على مصلحة ملزمة أريد إيصالها إلى العبد، أو من جهة كون المتعلق رافعا للمفسدة الحاصلة للعبد أو دافعا للمفسدة المتوجهة إليه، وحينئذ فقد يرى المولى أن الفعل الكذائي على إطلاقه وبأي وجه حصل مشتمل على المصلحة أو رافع لمفسدة موجودة أو دافع لمفسدة متوجهة، فحينئذ يأمر به مطلقا غير مقيد بشئ من القيود، وقد يرى أن الفعل الكذائي حال كونه مقيدا بقيد خاص مشتمل على المصلحة أو رافع أو دافع للمفسدة فلا محالة يأمر به حينئذ مقيدا بالقيد الذي يكون دخيلا في اشتماله على المصلحة أو رفعه أو دفعه للمفسدة، فملاك تقييد المادة في مقام الثبوت هو أن يكون المشتمل على المصلحة أو الرافع أو الدافع للمفسدة عبارة عن الفعل المقيد بقيد خاص لا نفس الفعل على إطلاقه.
موارد رجوع القيد إلى الهيئة:
وأما تقييد الهيئة فإنما يتصور بملاكه في موضعين:
الموضع الأول:
أن يكون الغرض من الامر دفع المفسدة المتوجهة، أو رفع المفسدة الموجودة، ولكن كانت المفسدة أمرا يوجد على تقدير خاص، إما لان هذا التقدير الخاص بنفسه جالب للمفسدة وإما لكونه ملازما لما يوجب المفسدة، فحينئذ يجب أن يكون طلب المولى وبعثه نحو العمل - الذي أريد به دفع المفسدة - مقيدا بتحقق هذا التقدير، إذ في غير هذا التقدير لا ملاك لبعثه، ومثال ذلك في الأوامر الشرعية في غاية الكثرة، كقوله: (إن ظاهرت فأعتق رقبة)، أو (إن أصبت الصيد في الحرم فعليك كذا) مثلا، فإن الشارع لما رأى أن الظهار مثلا أمر جالب للمفسدة، أو ملازم لما يجلبها، وكان غرضه إنجاء العبد من المفسدة المتوجهة إليه إما بتمام مراتبها أو ببعضها فلا محالة تعلق طلبه بما هو دخيل في إنجاء العبد وتخليصه من المفسدة كالعتق مثلا، ولكن لما كان