الأمر الثالث: مفهوم المخالفة:
مفهوم المخالفة عند المتأخرين ينتج انتفاء الحكم عند انتفاء القيد و أما على ما أسسناه فلا يفيد ذلك، إذ قد عرفت أن ثبوته عندنا من باب بناء العقلا، وغاية ما يحكم به العقلا في مثل قوله:
(الماء إذا بلغ قدر كر لم ينجسه شي) إنما هو دخالة الكرية في الحكم بعدم التنجس، وعدم كون ذات الماء تمام الموضوع له، بتقريب:
أنه لو كان ثابتا لذاته مع قطع النظر عن تخصصه بخصوصية الكرية لكان ذكرها لغوا، وأما كون هذه الخصوصية دخيلة ليس إلا بمعنى عدم جواز أن يخلفها خصوصية أخرى مثل الجريان والمطرية و نحوهما، فلا يحكم به العقلا، فإن مبنى حكمهم هو الفرار من محذور اللغوية، ولا يخفى أن كون قيد الكرية ذا فائدة وعدم كونه لغوا يتوقف على عدم كون ذات الماء، بما هي هي تمام الموضوع، لا على كون الكرية علة تامة منحصرة لعدم التنجس، بحيث لا يخلفها مثل الجريان والمطرية، فهذه الرواية كافية في رد مثل ابن أبي عقيل القائل بعدم انفعال الماء مطلقا، ولا تدل على عدم جواز أن يخلف قيد الكرية قيد آخر، فإنه من الممكن أن لا يكون الحكم ثابتا لذات الموضوع بما هي هي، بل يكون لخصوصية أخرى دخالة في الحكم، ولكن هذه الخصوصية قد تكون منحصرة وقد تكون متعددة يكفي انضمام كل منها إلى ذات الموضوع في ثبوت الحكم، كما في ما نحن فيه. فإن انضمام كل واحدة من الكرية والمطرية والجريان مثلا إلى حيثية المائية يكفي في الحكم بعدم التنجس.
وبما ذكرنا ينهدم أساس المفهوم بمعنى الانتفاء عند الانتفاء، سواء كان القيد المذكور في الكلام شرطا أو وصفا أو غيرهما.
وهذا الذي ذكرناه هو مراد السيد (قده) حيث قال ما حاصله: إن قوله تعالى: واستشهدوا