وينبغي التنبيه على أمور الأول: النزاع صغروي أو كبروي؟:
قد ظهر لك أن استفادة المفهوم من باب بناء العقلا، ولا ريب أنه قد استقر بناؤهم على حمل كلام المتكلم وحمل خصوصياته على كونها صادرة عنه بداعي غايتها النوعية، وأن الغاية النوعية للقيود هي دخالتها في المطلوب والمقصود الذي سيق لأجله الكلام، وهذا البناء من العقلا موجود قطعا، وإنما الاشكال في حجيته، فما تراه في كلام المتأخرين - من أن النزاع في حجية المفاهيم نزاع صغروي، إذ النزاع في أصل ثبوته لا في حجيته - فاسد على ما ذكرناه من المبنى، ولذلك ترى القدماء كانوا ينازعون في حجية المفاهيم لا في أصل ثبوتها، نعم، بناء على ما أسسه المتأخرون في باب المفاهيم من إرجاعها إلى الدلالات اللفظية الالتزامية، كما قالوا في مفهوم الشرط مثلا: إنه ثابت بناء على استفادة العلية المنحصرة من الشرط، يكون النزاع صغرويا كما أفادوه، ولكن هذا الأساس ينهدم بما ذكرنا.
الأمر الثاني: مفهوم الموافقة:
مفهوم الموافقة بعكس مفهوم المخالفة، فكما أن العقلا يحكمون في بعض الموارد بدخالة الخصوصية المذكورة في الكلام، حذرا من حمل الكلام الغير على اللغوية، فكذلك يحكمون في بعض الموارد بعدم دخالة الخصوصية وشمول الحكم للأعم من واجدها، وليس مفهوم الموافقة إلا عبارة عن إلقاء الخصوصية والحكم بعدم دخالتها، سواء وجد في البين أولوية كما في النهي عن آلاف الذي يفهم منه حرمة الضرب مثلا أم لم توجد، كما إذا سئل الإمام عليه السلام عن حكم الرجل الشاك مثلا فأجاب، فإن العرف يلقي خصوصية الرجولية، ويحكم بعدم دخالتها في الحكم، وليس مفهوم الموافقة منحصرا في ما إذا كان الفرع أولى من الأصل، وإن كان يوهمه بعض الكلمات، ولذلك ترى في كلام بعض القدماء، الأقوال في حجيته ثلاثة، ثالثها التفصيل بين صورة الأولوية وبين غيرها.