وأما على الثاني: فلا محالة يكون الموضوع له نفس المعنى الملحوظ، فالأقسام بحسب مقام الثبوت ثلاثة.
وربما يتوهم إمكان قسم رابع، وهو أن يكون المعنى الملحوظ خاصا والموضوع له عاما. وهو كما ترى، فإن الخاص بما هو خاص و جزئي لا يصير وجها ومرآة للعام دون العكس، فإن العام وإن لم تعقل حكايته للافراد بخصوصياتها المفردة والمشخصة، لكنه يحكيها بما أنها وجودات له.
فإن قلت: العام والخاص بحسب المفهوم متغايران، لكنهما يتحدان بحسب الوجود والتحقق، بل مفهوم العام جز من مفهوم الخاص أيضا، بحيث لو ألقيت منه الخصوصيات المفردة لم يبق إلا حيثية العام، وحينئذ فإن أريد بحكاية الخاص إياه حكاية الخاص بما هو خاص ومشوب بالخصوصيات سلمنا امتناعه، لكن الامتناع بهذا اللحاظ يجري في العكس أيضا. وإن أريد بها حكاية الخاص بحيثيته الذاتية مع قطع النظر عن الخصوصيات الزائدة لم نسلم امتناعه كما هو المفروض في العكس أيضا، حيث إن المحكي هو الافراد لا بخصوصياتها.
قلت: فرق بين أن يكون لحاظ شي لحاظ لشئ آخر بوجه، وبين أن يكون لحاظه سببا للحاظ شي آخر مستقلا، بحيث يكون هناك لحاظان تولد أحدهما من الاخر. ففي ما نحن فيه يكون لحاظ العام بنفسه لحاظا لمصاديقه بوجه، حيث إنه يلحظ العام بما أنه مرآة لها، وأما الخاص فليس لحاظه لحاظا للعام لعدم كونه مرآة له.
نعم، يمكن أن ينتقل الذهن من لحاظه إلى العام، فيلحظه مستقلا، فيصير الملحوظ حين الوضع كالموضوع له عاما، فتأمل والحاصل أن الاقسام بحسب التصور أربعة، ولكن الممكن منها في مقام الثبوت ثلاثة.
وأما في مقام الاثبات: فمثال القسم الأول الاعلام الشخصية، ومثال القسم الثاني أسماء الأجناس، وأما القسم الثالث فربما يمثل له بالحروف فيكون الوضع فيها عاما والموضوع له خاصا، وربما يقال فيها أيضا بكون الموضوع له كالوضع عاما، ولا بد في تعيين ما هو الحق في المسألة من بيان حقيقة المعنى الحرفي في قبال المعاني الاسمية.
المعنى الحرفي:
فنقول: قد ذكر في الفرق بين معاني الحروف ومعاني الأسماء المرادفة لها بحسب الظاهر (كلفظة من والابتداء مثلا) أقوال، يمكن إرجاعها إلى معنى واحد.