الجمع بين الحكمين في المقام مخالف للجمع في غيره:
توضيح ذلك: أنك قد عرفت في صدر المبحث أن المحقق الخراساني (قدس سره) جمع بين الحكم الواقعي والظاهري في الحاشية بحمل الواقعي على الانشائية، والظاهري على الفعلية، وفي الكفاية بحمل الواقعي على الفعلية، وحمل الظاهري على كونه عينا له في صورة الموافقة وصورة حكم لا حقيقة لها في صورة المخالفة. وعرفت أيضا أنه يمكن الجمع بين المشيين - وإن كان ثانيهما أمتن - بتقريب أن المراد بالحكم الواقعي إن كان ما هو روحه وحقيقته - أعني إرادة صدور الفعل عن العبد - فهو فعلي، وبلحاظه أيضا قد جعل البعث الظاهري، وإن كان المراد منه هو البعث الواقعي والخطاب الأولى فهو شأني، بداهة أن البعث إنما يكون لغرض الانبعاث، وحيث إن الانبعاث من الخطاب المجهول غير معقول، فلا محالة يصير منعزلا عن التأثير وساقطا من الفعلية، بمعنى عدم إرادة الانبعاث منه في هذه الصورة من جهة تعذر ترتب هذا الأثر عليه.
إذا عرفت هذا فنقول: إن الجمع بين الحكمين فيما نحن فيه - أي في الاحكام الظاهرية الواردة في باب أجزأ المأمور به وشرائطه و موانعه - لا يمكن أن يكون بالطريق الذي سلكه في الكفاية، لما عرفت من أن أثر جعل الطهارة الظاهرية في باب الصلاة مثلا ليس إلا كفايتها في صيرورة العمل المأتي به معها منطبقا للعنوان المأمور به، من دون أن تترتب عليه المنجزية أو المعذرية، ولازم ذلك عدم فعلية ما دل على اشتراط الصلاة بالطهارة الواقعية وكونه إنشائيا صرفا.
ولا يخفى أن الانشائية في المقام أيضا تخالف الانشائية في المقامات الاخر، فإن المراد بالانشائي في سائر المقامات هو الانشائي الذي ليس لفعليته حالة منتظرة سوى علم المكلف، لما عرفت من أن المانع عن فعلية الخطاب الواقعي هو جهل المكلف به وعدم إمكان انبعاثه من قبله، لا لقصور في الخطاب، بل لقصور في المكلف من جهة كونه جاهلا، ولازم ذلك أنه إذا زال هذا المانع صار فعليا منجزا.
وأما في المقام فليس المراد بالانشائي فيه هذا المعنى، إذ المفروض - فيما نحن فيه - علم المكلف بوظيفته من الصلاة المشروطة بالطهارة الواقعية، بحيث لولا قوله (كل شي نظيف) كان ينبعث من الخطاب الواقعي، ويأتي ما هو المكلف به بجميع حدوده وأجزائه وشرائطه التي منها