حوائجه، وارتباط القلوب بغير وسيلة جعلية، غير ميسر، فلا محالة احتاجوا إلى وسيلة جعلية تتوسط بينهم في الإفادة والاستفادة وهي منحصرة في الألفاظ إذ غيرها من الوسائل لا يفي الا بأقل قليل من المقاصد، وممن يحتاج إلى افهام مقاصده إلى الغير، الموالي بالنسبة إلى عبيدهم حيث يحتاجون إلى توسيط العبيد في رفع حوائجهم أو تنبيههم على ما فيه صلاحهم أو فسادهم، فلا محالة ينحصر الطريق المتوسط بين الموالي والعبيد في الألفاظ الموضوعة للمعاني بسبب الوضع أو بسبب القرائن المحفوفة فصارت هي المدار للاحتجاج و الوسيلة للمخاصمة واللجاج، فإذا صدرت من المولى، ألفاظ دالة على معنى خاص بسبب الوضع أو القرائن المحفوفة فخالف لمضمونها العبد معتذرا بعدم العلم بمراد المولى، حكم العقل بحسن عقوبته.
وبالجملة، فطريق التفهيم والتفهم بين الموالي والعبيد لما كان منحصرا في الألفاظ وانسد فيهما باب العلم بما في الضمير، صار هذا سببا لحجية ظواهر الألفاظ وهذا الانسداد ملازم للاخذ 0 بالظواهر دائما فصارت الحجية كأنها ذاتية للظواهر فتدبر.
الثاني: ان العمل بالظواهر يكون من فطريات العقلا ومرتكزاتهم بحيث رسخ في أذهانهم وجوب الاعتماد عليها إذا صدرت من الموالي بالنسبة إلى عبيدهم من غير التفات إلى سبب هذا الارتكاز [1] فصار هذا المعنى موضوعا لحكم العقل بصحة مؤاخذة المولى إذا ترك العبد، العمل بها وقبح المؤاخذة إذا عمل على وفقها. وبالجملة، فحجية الظواهر في الجملة مما لا ريب فيها ولم يستشكل فيها أحد الا انه ظهر من بعض المتأخرين من أصحابنا تفصيلان في المقام:
الأول: التفصيل بين من قصد إفهامه وغيره يظهر من (المحقق القمي) التفصيل بين من قصد إفهامه بالكلام وبين غيره، حيث خص حجية الظاهر بمن قصد إفهامه سواء كان مخاطبا كما في الخطابات الشفاهية أم لا كما في الكتب المصنفة لرجوع كل من يمكن ان يستفيد منها، واما من لم يقصد إفهامه بالكلام [1] أقول: اعلم أن الأستاذ مد ظله قد ذكر الوجه الأول والثاني أولا بنحو الاجمال ولكنه في مقام التفصيل لم يتصد لبيان الوجه الثاني بل فصل خصوص الوجه الأول، فكأنه أعرض عن الثاني، والفرق بينهما ان موضوع حكم العقل في الثاني نفس ارتكاز العقلا من دون نظر إلى سبب هذا الارتكاز والوجه الأول بيان لسبب هذا الارتكاز ح - ع - م.