الأمر الثاني: الشك في أن المخصص كاللفظي أو كاللبي؟:
إذا قال: أكرم العلماء، ثم قال: لا تكرم زيدا، فإنه عدو لي، واستفدنا من التعليل، العموم، فهل هو كالمخصص اللفظي أو يكون وزانه وزان المخصص اللبي؟ فيه وجهان، ولعل السيرة هنا على جواز التمسك كالعقلي.
الأمر الثالث: تزاحم العام والخاص:
كل ما ذكرنا إلى هنا إنما هو فيما إذا لم يكن كل واحد من الدليلين تام الاقتضاء متكفلا لاثبات حكم فعلي على العنوان المذكور فيه، بحيث يكون هذا العنوان تمام الموضوع له، إذ في هذه الصورة يصير الحكمان متزاحمين، فيجب الاخذ بكل منهما ما لم يثبت مزاحم أقوى، ولا يجوز رفع اليد عن الحكم الفعلي باحتمال المزاحم. فإذا قال: أكرم العلماء، ثم قال: لا تكرم الفساق، وأحرز كون كل من الموضوعين تمام الموضوع لحكمه، لزم في الفرد المشتبه الاخذ بحكم العام، فافهم وتدبر جيدا. [1] الأمر الرابع: جريان استصحاب العدم الأزلي في المقام:
كل ما ذكرناه إنما هو فيما إذا لم يحرز عنوان المخصص إثباتا أو نفيا بأصل موضوعي، وإلا كان المصداق المشتبه محكوما بحكم المخصص على الأول، وبحكم العام على الثاني، ففي المثال السابق إن كان لفسق زيد أو عدم فسقه حالة سابقة صح استصحابه وحكم على زيد بحكم المخصص أو العام. هذا إذا كان المتيقن في السابق اتصاف زيد في حال وجوده بصفة الفسق أو عدمه، وأما إذا لم يكن كذلك فهل يجري استصحاب العدم الثابت قبل وجود زيد؟ فيه كلام بين الاعلام ويعبرون عن ذلك باستصحاب العدم الأزلي.
وتقريره بوجهين:
الأول: أن يكون المستصحب هو العدم المحمولي، أعني به مفاد (ليس التامة).
الثاني: أن يكون عبارة عن العدم الربطي، أعني به مفاد (ليس الناقصة)، ومرادنا بالعدم الربطي ما هو الرابط في القضايا السالبة، فإن التحقيق عندنا أن الرابط فيها هو نفس العدم، فكما يعتبر في الموجبات وجود رابط يعبر عنه بكون الشئ شيئا، فكذلك يعتبر في السوالب عدم [1] ربما يقال بعدم صحة فرض التزاحم في أمثال المقام مما كان العموم فيه استغراقيا، لعدم وجود المندوحة في مورد الاجتماع من أول الأمر ، فيكون التنافي في مقام الجعل، ولا بد فيه من الكسر والانكسار في مقام الجعل وإنشاء حكم واحد لما هو الأقوى منهما ملاكا. نعم إذا كان العموم في أحدهما بدليا كان من باب التزاحم، لكون التصادم في مقام الامتثال، ولتحقيق المطلب محل آخر، فتدبر. ح - ع - م.