السقمونيا عن تحققه بنحو ينطبق عليه العنوان المترقب، وإن قال الإمام عليه السلام أو النبي صلى الله عليه وآله أو نائبهما: (لا تصل في جلد ما لا يؤكل لحمه) مثلا كان نهيه هذا ظاهرا في الارشاد إلى مانعية جلد ما لا يؤكل لحمه، ودخالة عدمه في انطباق عنوان الصلاة على الاجزاء التي يؤتى بها بترقب انطباقه عليها، وإذا قال: (صل مع الطهارة) كان أمره هذا ظاهرا في الارشاد إلى الشرطية، والسر في ذلك أن عنوان الصلاة مثلا من العناوين التي لا تعلم أجزاؤها و شرائطها وموانعها إلا من قبل الشارع، نظير المعجون الذي يختص العلم بخصوصياته بالطبيب. والأوامر والنواهي الواردة في خصوصيات هذا السنخ من العناوين من قبل أهل فنها ظاهرة في الارشاد إلى الجزئية أو الشرطية أو المانعية، وهذا ظهور عرفي عقلائي، يشهد به كل من راجع سيرة العقلا، واحتمال المولوية في هذه الموارد احتمال مرجوح لا تقبله الأذهان السليمة.
تفاوت مقتضى الوجهين:
إذا عرفت ما ذكرنا فنقول: قد ظهر بذلك سر استدلال علماء الأمصار في جميع الأعصار بالنواهي - الواردة في أبواب العبادات و المعاملات بأنواعها من البيوع والأنكحة وغيرها - على الفساد، فإن استدلالهم بها لم يكن بتوسيط الحرمة المولوية بأن يستفيدوا منها الحرمة المولوية ويستدلوا بالحرمة على الفساد، بل كان ذلك من جهة ظهور النواهي الواردة في هذه الأبواب في الارشاد إلى المانعية المستلزمة للفساد قهرا، نعم، لو فرض ظهور النهي في التحريم المولوي، أو أحرز الحرمة والمبغوضية بطريق آخر يجري نزاع آخر في أن الحرمة تقتضي الفساد أو لا؟ ولكن هذا غير النزاع الأول، فإن النزاع على الأول في الدلالة والبحث لفظي، وعلى الثاني في الاقتضاء والملازمة، والبحث عقلي.
وبما ذكرنا ظهر اختلاف أساس الاستدلالين، فإن بناء الاستدلال الأول على ادعاء الملازمة بين الحرمة المولوية والفساد، من دون نظر إلى ظهور النهي، حتى لو فرض استفادة الحرمة والمبغوضية من غير اللفظ أيضا جرى النزاع، وبناء الاستدلال الثاني على ادعاء ظهور قسم خاص من النواهي (وهي الواردة في باب المركبات المخترعة) في الارشاد إلى المانعية المقتضية للفساد قهرا، كظهور الأوامر الواردة فيها في الارشاد إلى الجزئية أو الشرطية.
وبالجملة: هنا مسلكان مختلفان لا جامع بينهما، والبحث على الأول بحث عقلي وعلى الثاني بحث لفظي، فلاحد أن يلتزم بالفساد على الثاني دون الأول، واللازم (على المسلك الأول)