الفصل الثالث: التجري تحرير محل البحث قد ذكرنا سابقا ان حجية القطع ومنجزيته للواقع، ذاتية فإذا قطع بحرمة شي وكانت الحرمة ثابتة في الواقع كانت منجزة على العبد بحيث لا عذر له في مخالفتها ويستحق العقوبة عليها. واما إذا قطع بالحرمة ولم تكن ثابتة في الواقع فهل يستحق العبد العقوبة بمخالفة قطعه حينئذ أم لا؟ فيه خلاف. وقد عبروا عن هذه المسألة (بالتجري).
وقبل الورود فيها وبيان ما قالوا، يجب تحرير محل النزاع و بيان الجهات التي يمكن أن تكون مبحوثا عنها.
فنقول: يمكن ان يكون المبحوث عنه، هو ثبوت الحرمة الشرعية لمقطوع الحرمة مثلا. ويمكن ان يكون المبحوث عنه، هو قبحه العقلي من دون ان يستتبع حكما شرعيا، وعلى الأول، فاما ان يقال: بثبوت الحرمة لمقطوع الحرمة بما هو مقطوع الحرمة، سواء كان القطع مصادفا للواقع أو مخالفا له فيجتمع في صورة المصادفة حكمان شرعيان، تعلق أحدهما بالعنوان الواقعي، وثانيهما بعنوان مقطوع الحرمة. واما ان يقال: بثبوت الحرمة لمقطوع الحرمة ولكن لا مطلقا بل في صورة مخالفة القطع للواقع فيكون الموضوع في الحقيقة عبارة عن مقطوع الحرمة الذي خالف قطعه، الواقع.
وكذا لو كان النزاع في القبح العقلي، فاما ان يقال: بثبوت ملاك اخر لقبح الفعل المتجري به سوى ما هو ملاك القبح العصيان. واما ان يقال بقبحه بعين ملاك العصيان بحيث يكون ملاك حكم العقل بقبح العصيان والتجري أمرا واحدا. فالجهات التي يمكن أن تكون مبحوثا عنها أربعة.
ولا يتوهم انه بناء على الأول يلزم اجتماع المثلين في صورة المصادفة وذلك لما عرفت منا في مبحث اجتماع الأمر والنهي من بيان حقيقة الاحكام وان تعلقها بالمتعلقات ليس من باب العروض، فراجع. وقد أشرنا إلى ذلك قبيل هذا المبحث أيضا.