واضح، إذ المصرح به في الدليل الأول هو أن فعل الصلاة مثلا مقدمة لترك الإزالة، ولازمه - على ما ذكرنا - هو كون فعل الإزالة أيضا مقدمة لترك الصلاة، والمصرح به في الدليل الثاني هو كون ترك الصلاة مقدمة لفعل الإزالة - التي هي الواجب - ولازمه أيضا كون ترك الإزالة مقدمة لفعل الصلاة، والحاصل أن لازم الدليل الأول هو كون فعل الإزالة مقدمة لترك الصلاة، والمصرح به في الدليل الثاني هو كون ترك الصلاة مقدمة لفعل الإزالة، وهذا دور واضح.
مقدمية وجود أو عدم أحد الضدين للاخر:
وحيث انجر الكلام إلى البحث عن وجود المقدمية بين وجود أحد الضدين وعدم الاخر، فالأولى أن نشرع في تحقيق المسألة بنحو التفصيل، فنقول: اختلفوا في المسألة على أقوال:
الأول: عدم المقدمية من الطرفين، فلا وجود أحد الضدين مقدمة لعدم الاخر، ولا عدم أحدهما مقدمة لوجود الاخر، وهذا القول هو الموافق للتحقيق.
الثاني: المقدمية من طرف العدم دون الوجود، فعدم كل منهما مقدمة لوجود الاخر من دون عكس. وبعبارة أخرى: وجود كل منهما يتوقف على عدم الاخر، لعدم إمكان اجتماع الضدين، وأما عدم كل منهما فلا يتوقف على وجود الاخر، لجواز ارتفاع الضدين.
الثالث: تسليم المقدمية من الطرفين فيكون وجود كل منهما مقدمة لعدم الاخر، وعدم كل منهما أيضا مقدمة لوجود الاخر، ويستفاد الالتزام بهذا القول من كلام الحاجبي والعضدي، حيث أجابا عن استدلال القائلين بحرمة الضد من جهة توهم مقدمية عدمه للواجب، وعن استدلال الكعبي على انتفاء المباح من جهة توهم توقف ترك المحرمات على اشتغال الانسان بفعل من الافعال فيكون واجبا من باب المقدمية بما حاصله، إنكار وجوب المقدمة، فيستفاد من هذا الجواب تسليمهما لأصل المقدمية في كلا الطرفين.
الرابع: التفصيل المستفاد من المحقق الخوانساري في كون عدم أحدهما مقدمة لوجود الاخر.
فقال ما حاصله: إن أحد الضدين إن كان موجودا فرفعه مقدمة لوجود الاخر. بخلاف ما إذا لم يكن واحد منهما موجودا فإنه لا مقدمية حينئذ في البين. والأقوى في المسألة كما عرفت هو القول الأول. و ليعلم أولا أن النزاع إنما هو في أن نفس التضاد بين الشيئين يوجب مقدمية وجود أحدهما لعدم الاخر، أو مقدمية عدم أحدهما لوجود الاخر، أو لا يوجب، فلا ينافي منع المقدمية من جهة التضاد وجود ملاكها اتفاقا من جهة أخرى في بعض الموارد، فاللازم علينا فيما نحن فيه