معنى الصحة والفساد:
اختلفوا في أن النهي المتعلق بالعبادات أو المعاملات يدل على فسادها (كما عبر به بعض)، أو يقتضي فسادها (كما عبر به بعض آخر) أولا؟ وقد أطنب المتأخرون في المسألة بتكثير مقدماتها من دون أن ينقحوا محط النظر فيها، ونحن نكتفي بذكر مقدمة واحدة، ثم نشرع في تحقيق أصل المقصود.
أما المقدمة: ففي بيان معنى الصحة والفساد، فنقول: الصحة (كما عرفت في مبحث الصحيح والأعم) عبارة عن كون الموجود، بحيث ينطبق عليه العنوان المترقب منه، والفساد عبارة عن كونه بحيث لا ينطبق عليه ذلك، فهما وصفان للموجودات لا للعناوين، ولكن اتصاف الموجودات بهما إنما هو بإضافتها إلى العناوين التي أوجدت هذه الموجودات بترقب انطباقها عليها.
بيان ذلك: أنه يظهر باستقراء موارد إطلاق هذين اللفظين أن بعض الموجودات يتصف عرفا بالصحة، وبعضها يتصف بالفساد، كما أن بعضها لا يتصف بشئ منهما، سواء في ذلك الموجودات الخارجية الحقيقية والموجودات المتحققة في وعاء الاعتبار. فالأدوية المستعملة لعلاج الأمراض مثلا، وكذا العقود المسببية الموجدة في عالم الاعتبار قد تتصف عرفا بالصحة، وقد تتصف بالفساد، وكذلك العمل الخارجي الصادر عن المكلف بترقب كونه مصداقا للصلاة أو الحج أو نحوهما، قد يتصف بهذا وقد يتصف بذاك، فإذا تأملنا في إحراز ما هو الموصوف بهما وجدنا أن الموصوف بهما نفس الموجود و المصداق لا العنوان المنطبق عليه، فنفس العمل الخارجي الصادر عن المكلف بترقب كونه منطبقا لعنوان الصلاة المأمور بها قد يتصف بالصحة وقد يتصف بمقابلها، وكذلك نفس ما يوجده الانسان في عالم الاعتبار بترقب كونه بيعا ذا أثر، وذات الفرد الخارجي من الفاكهة أو الدواء تتصف بهما، غاية الأمر أن اتصاف الموجود والفرد بهذين الوصفين ليس