وحاصل ما ذكره: أن لفظي الطلب والإرادة موضوعان بإزاء مفهوم واحد، ولهذا المفهوم الواحد نحوان من الوجود: الوجود الحقيقي، و هو وجوده في النفس، والوجود الانشائي، وهو المنشأ بالصيغة، فالطلب والإرادة متحدان في المفهوم، والوجود الحقيقي، والوجود الانشائي، غاية الأمر أن لفظ الطلب ينصرف عند إطلاقه إلى وجوده الانشائي، ولفظ الإرادة ينصرف إلى وجودها الحقيقي، وهذا لا يوجب المغايرة بين اللفظين في المفهوم. نعم وجود هذا المفهوم الواحد بالوجود الانشائي - الذي ينصرف إليه لفظ الطلب - مغاير لوجوده الحقيقي، الذي ينصرف إليه إطلاق لفظ الإرادة. وعلى هذا يمكن أن يصلح بين الطرفين بأن يقال: إن مراد العدلية من الاتحاد ما ذكرناه من اتحادهما في المفهوم، وفي كلا الموجودين، ومراد الأشاعرة من التغاير ما ذكرناه من أن ما ينصرف إليه إطلاق لفظ الطلب - أعني الوجود الانشائي لهذا المفهوم - مغاير لما ينصرف إليه إطلاق لفظ الإرادة - أعني الوجود الحقيقي لهذا المفهوم - (انتهى).
أقول: قد عرفت أن نزاع الأشاعرة والعدلية ليس في أن لفظي الطلب و الإرادة هل وضعا بإزاء مفهوم واحد، أو يكون لكل منهما معنى غير ما للاخر، إذ البحث على هذا لغوي مربوط بعلم اللغة، بل النزاع بينهما في أنه هل يكون عند التكلم بالكلام اللفظي صفة قائمة بنفس المتكلم، تكون منشأ للكلام اللفظي، سوى العلم والإرادة والكراهة، أو لا تكون في نفسه صفة وراء هذه الثلاثة؟ وعلى هذا يكون البحث كلاميا، ولا يقبل هذا النزاع إصلاحا ولعله أشار إلى هذا بقوله - في آخر كلامه - (فافهم).
نقد كلام المحقق الخراساني:
واعلم أن ما ذكره (من اتحاد الطلب والإرادة مفهوما وخارجا وإنشاء) فاسد من أصله. فإن لفظ الإرادة موضوع لصفة خاصة من صفات النفس، والصفات النفسانية من الأمور الحقيقية التي يكون بحذائها شي في الخارج، فلا تقبل الوجود الانشائي لاباء الأمور الحقيقية هذا النحو من الوجود، بخلاف الطلب فإن له معنى قابلا لان يوجد بالانشاء، وهو البعث والتحريك. وبعبارة أخرى:
الموجودات على قسمين:
1 - ما يكون له وجود حقيقي في الخارج، بحيث يكون بإزائه شي فيه، كالانسان، والحيوان، والبياض، ونحوها.
2 - ما لا يكون كذلك، بل يكون وجوده بوجود منشأ انتزاعه، وهذا القسم يسمى بالأمور