الرابع: ان الظاهر، رجوع الضمير في قوله: (ليتفقهوا) إلى الطائفة النافرة وإرجاعها إلى البعض المقدر خلاف الظاهر.
والحاصل: انه لا وجه لصرف الآية عن ظاهرها وهو الوجه الأول، فهي تدل على وجوب التعلم والتعليم وان الجهل في أحكام الله تعالى ليس بعذر فيجب على الجميع تعلمها، اما بالنفر أو بالاستفادة من النافرين ويستفاد من الآية عدم جواز الرجوع إلى الأصول اللفظية و العملية الا بعد الفحص واليأس عما يخالفها.
وبالجملة: فالآية من أقوى الأدلة على وجوب التعليم والتعلم.
وجه الاستدلال ب آية النفر:
إذا عرفت هذا، فاعلم أنه ربما يستدل بالآية على حجية الخبر الواحد، بتقريب انها تدل على حجية قول النافرين لقومهم إذا رجعوا إليهم ومعلوم ان النافرين من كل فرقة لا يبلغ عددهم إلى حد التواتر، ولو سلم اتفاق ذلك، فلا يجتمعون في مقام التبليغ، وربما يقرب هذا الاستدلال، بوجوه أخرى لا يحتاج إليها فراجع ما ذكروه.
واستشكل على الاستدلال بها بوجوه:
الأول:
ان الآية ليست بصدد بيان وجوب الحذر حين إنذار المنذر حتى يستفاد منها الاطلاق، بل المستفاد منها وجوب الحذر في الجملة عند إنذار المنذرين وهذا لا ينافي اعتبار حصول العلم.
الثاني:
انها تدل على وجوب الحذر العملي بامتثال الأحكام الشرعية الواصلة إليهم ولا تدل على وجوب العمل بكل ما وصل إليهم وان لم يكن من أحكام الله وحينئذ فإذا لم يعلم المنذر (بالفتح) ان ما وصل إليه من أحكام الله أو من غيرها فلا يجب عليه العمل فيتقيد وجوب العمل لا محالة بما إذا حصل له العلم باحكام الله من قول المنذر (بالكسر).
الثالث:
ان الآية تدل على حجية قول الفقيه بالنسبة إلى المقلد لا على حجية الخبر فان المنذرين على ثلاث طوائف:
1 - من كان شأنه مزاولة فن الوعظ والخطابة لتهييج الناس وليس غرض هذه الطائفة، تعليم الناس بما جهلوا به، بل تذكيرهم بما علموا به ولكنه خفي في زوايا أذهانهم، فلا يتأثرون منه الا بتذكير مذكر ووعظ واعظ.