الخروج فإنه أمر ذو مفسدة من جهة كونه تصرفا في ملك الغير من دون أن يكون واجدا لمصلحة مستعقبة للوجوب الشرعي، لما عرفت من أن الموجود في باب الغصب والتصرف في مال الغير حكم واحد، وهو الحرمة ليس إلا.
فتلخص مما ذكرنا أن الالتزام بكون الخروج مأمورا به في غاية الاشكال، كالالتزام بعدم كونه منهيا عنه وعدم صدوره مبغوضا للمولى.
نعم يمكن أن يقال: بعدم وجود الزجر فعلا من جهة اضطرار المكلف إلى قدر خاص من التصرف إما بالبقاء أو الخروج، ولكن لا ينافي هذا ثبوت العصيان والعقاب من جهة صدوره من أول الأمر باختياره.
فالظاهر في مسألة الخروج ما اختاره المحقق الخراساني من عدم كونه مأمورا به ولا منهيا عنه بالنهي الفعلي، مع ثبوت العقاب بملاحظة النهي السابق الساقط ولزوم اختياره عقلا من جهة كونه أقل المحذورين.
الخروج من الدار المغصوبة بعد التوبة:
نعم لاحد أن يقول: إن الداخل في أرض الغير المتوسط فيها بسوء اختياره إن ندم على عمله وتاب واستغفر ربه التواب خرج خروجه منها من كونه مبغوضا ومعاقبا عليه، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، كما هو مقتضى إطلاقات أدلة التوبة، فلا يقع الخروج منه تمردا وعصيانا لمولاه.
توضيح ذلك: أن المكلف بعد أن دخل في ملك الغير صار مضطرا إلى مقدار الخروج من أقصر الطرق في أقصر الساعات، فهذا المقدار من التصرف مضطر إليه سواء صرفه في البقاء أو الخروج، غاية الأمر أن الاضطرار إليه لما كان بسوء اختياره لم يترتب عليه ارتفاع المبغوضية، فصار هو من تبعات الدخول المحرم، وكان حكمه حكمه في المبغوضية، فإذا تاب العبد بعد توسطه في الأرض واضطراره إلى الحركات الخروجية صارت توبته رافعة للعصيان الصادر عنه، أعني الدخول وتوابعه، فان التوبة توجب محو السيئة السابقة، فبعد التوبة يصير كمن لم يدخل في أرض الغير على الوجه المحرم، ويصير الدخول الصادر عنه عصيانا المؤدى إلى التوابع المحرمة بمنزلة ما لو لم يصدر عنه عصيانا وتمردا، بل صدر عنه على الوجه الشرعي، فيصير الخروج أيضا غير مبغوض، إذ الفرض أنه في حال ارتكابه مضطر إليه، وإنما كان تحققه عصيانا بنفس تحقق الدخول كذلك،