وإن شئت توضيح المطلب، فنقول: إن ما ذكره المستدل من عدم حجية الكبرى بنفسها ممنوع بإطلاقه، فإن الكبرى حجة بنفسها في مقام تشخيص الحكم الشرعي الكلي، ولا نحتاج في ذلك إلى وجود الموضوع خارجا.
نعم حجيتها بالنسبة إلى الخارجيات لا تتصور إلا بعد تشخيص الصغرى، فهاهنا مقامان:
مقام حجية العام بنفسه، ومقام حجيته بالنسبة إلى الخارجيات، و المحتاج إلى الصغرى هو الثاني دون الأول، فقول المولى: أكرم العلماء مثلا حجة على العبد، ويجب عليه أن يتصدى لامتثاله، وإن لم يعلم وجود عالم في الخارج، فيجب عليه أن يتفحص عن وجودهم وعن حال من شك في كونه منهم.
ومما يدل على ذلك تمسكهم في عدم وجود نفس الكبرى بالاستصحاب ونحوه، فيعلم من ذلك كونها ذوات آثار، فيستصحب عدمها لنفيها، ولو كانت الحجية مقصورة على صورة ثبوت الصغرى كان صرف الشك فيها كافيا ولم نحتج إلى إثبات عدمها بالاستصحاب.
كيف وهل يعذر العبد إذا سمع من المولى أكرم العلماء وشك في عالمية زيد، أو في أصل وجود العالم، فترك الاكرام من غير فحص عن حال زيد أو عن وجود الموضوع معتذرا بعدم ثبوت الصغرى عنده؟ لا والله.
والسر في ذلك أن وظيفة المولى إنما هي بيان الاحكام الكلية لا تعريف الصغريات وتشخيصها، فبعد وصول الكبرى إليه قد حصل كل ما هو من قبل المولى.
ولذلك بعينه نستشكل على ما ذكره الشيخ (قده) الاجراء البراءة العقلية في الشبهات الموضوعية، فإن الظاهر عدم جريانها فيها، نعم تجري فيها البراءة الشرعية.
والحاصل: أن الكبرى الواصلة من قبل المولى حجة على العبد، و يجب عليه التصدي لامتثالها والفحص عن وجود موضوعها، من دون أن يحتاج في حجيتها إلى العلم بوجود الصغرى. نعم في تشخيص حكم الموجود الخارجي نحتاج إلى العلم بمصداقيته لما هو عنوان الموضوع.
إذا عرفت ما ذكرنا فنقول: إن قوله: لا تكرم الفساق من العلماء، وإن كان كليا ولم تثبت فردية مشكوك الحكم لموضوعه، ولكنه حجة صدرت عن المولى، ويكون مفاده عدم وجوب الاكرام في جميع الافراد الواقعية للفاسق، فتضيق بهذه الحجة الأقوى دائرة الموضوع الجدي في حكم العام، وتنحصر في غير من صدق عليه عنوان المخصص واقعا، فكما تكون فردية مشكوك