وقد تبين لك آنفا أن الأسباب في الافعال التوليدية يجوز تقدمها على المسببات، كما في مثال رمي السهم الواصل إلى الهدف (الذي أريد قتله به) بعد مدة من الزمان.
والحاصل: أن اقتضاء العلية لكون جز العلة مقارنا للمعلول بحسب الزمان غير معلوم، ومن أين ثبت عدم جواز تقدمه أو تأخره؟ ألا ترى في العلة الغائية أنها متأخرة عن معلولها، ومع ذلك لم تخرج من كونها علة.
فإن قلت: ليست العلة الغائية بوجودها الخارجي علة، بل بوجودها العلمي، ولذا لو تخيل أحد ترتب غاية على فعله لاثر هذا الخيال في صدور الفعل عنه، وإن انكشف بعد حصوله أن الغاية المتخيلة لا تترتب عليه.
قلت: ليست العلم بالغاية بما هو علم بها مؤثرا في وجود الفعل، بل بما هو طريق إليها ومرآة لها [1] والشاهد على ذلك أن المؤثر في فعل الحكيم العالم بالعواقب الذي لا يتصور في علمه مخالفة الواقع هو نفس الغاية لا عمله بها بما هو علم وصفة كمال لذاته.
والحاصل: أنه قد ظهر لك مما ذكرناه عدم ورود إشكال في الشرط المتقدم أو المتأخر بحسب الزمان، فإن الذي يعتبر فيه هو التقدم الرتبي لا غير.
نعم، يعتبر في العلة التامة فقط تقارنها مع المعلول زمانا كما عرفت.
دفع إشكال الشرط المتقدم أو المتأخر للتكليف:
ولو سلم لزوم التقارن في الشروط أيضا، فنحن أيضا في مخلص من إشكال الشرط المتقدم أو المتأخر، وتفصيل ذلك هو أن يقال:
أما في شرائط التكليف:
فالحق في كل ما توهم شرطيتها له أنها ليست بشرائط وجوده بأن يكون التكليف معلولا وهذه من أجزأ العلة لوجوده، بل الحق فيها أنها من قيود الموضوع في [1] يمكن أن يقال: إن العلم قد يكون تمام الموضوع لشئ أو لحكم، و لكن لا بما أنه صفة لذات العالم في قبال سائر الصفات النفسانية، بل بما أنه طريق إلى الواقع. مثال ذلك إن العلم بوجود السبع تمام الموضوع للخوف والوحشة، فإنه يؤثر في الخوف وإن كان الواقع عدم وجود السبع، ولكن تأثير هذا العلم في نفس الخائف ليس بما أنه علم وصفة كمال من صفات النفس، بل بما أنه مرآة للواقع وهو وجود السبع. وعلى هذا فيمكن القول بأن العلم في العلة الغائية أيضا من هذا القبيل، لكفايته في وجود المعلول، وإن ظهر بعد ذلك عدم ترتبها على الفعل. ح - ع - م.