الغرض، كما لو أتى بماء أمر به مولاه ليشربه فلم يشربه بعد.
الموضع الثاني: في إجزاء امتثال أمر عن أمر آخر، وفيه مقامان:
المقام الأول: في أن إتيان المأمور به بالامر الاضطراري يجزي عن إتيان المأمور به بالامر الواقعي الأولي، بعد رفع الاضطرار في الوقت، أو في خارجه، أو لا يجزي؟ المقام الثاني: في أن إتيان المأمور به بالامر الظاهري يجزي عن إتيان المأمور به بالامر الواقعي بعد كشف الخلاف، أو لا يجزي؟
أما المقام الأول: فالبحث فيه تارة في مقام الثبوت وأخرى في مقام الاثبات.
أما في مقام الثبوت، فالفروض المتصورة أربعة: إذ التكليف الاضطراري إما أن يكون وافيا بتمام المصلحة والغرض من الامر الأولي، أو لا يكون وافيا بها، بل يبقى منها شي أمكن استيفاؤه أو لم يمكن، وما أمكن كان بمقدار يجب استيفاؤه أو بمقدار يستحب ولازم الجميع هو الاجزاء إلا في الصورة الثالثة، ومقتضى الصورة الثانية عدم جواز تسويغ البدار لما فيه من نقض الغرض وتفويت مقدار من المصلحة، كما أنه لا مانع من تسويغه في الصورتين الأخيرتين. وأما الصورة الأولى فتسويغ البدار فيها يدور مدار كون العمل الاضطراري بمجرد طرؤ الاضطرار وافيا بغرض الامر الأولي، أو بشرط الانتظار، أو مع اليأس من طرؤ الاختيار. وأما في مقام الاثبات، فإن كان لدليل الامر الاضطراري إطلاق يدل على أن مطلق الاضطرار ولو في بعض الوقت يكفي لتعلق التكليف الاضطراري مثل قوله تعالى: (فلم تجدوا ماء) [1] الآية، فالظاهر هو الاجزاء، وإن لم يكن هنا إطلاق، فالأصل يقتضي البراءة من إيجاب الإعادة لكونه شكا في أصل التكليف (انتهى).
أقول: مراجعة التكاليف الاضطرارية الثابتة في شريعتنا ترشدك إلى أن ما ذكره - طاب ثراه - لا يرتبط أصلا بما هو الثابت من التكاليف الاضطرارية، لكون ما ذكره مبتنيا على أن يكون لنا أمران مستقلان: أحدهما واقعي أولي والاخر اضطراري ثانوي، فينازع حينئذ في كفاية امتثال أحدهما عن امتثال الاخر، مع أن الامر في التكاليف الاضطرارية ليس كذلك، على أنه لو ليس نفس الاتيان بالماء، بل إيجاد كل ما هو في اختيار العبد من مقدمات رفع عطش المولى، أعني إتيان الماء، وإبقاءه إلى زمن شرب المولى إياه، فما لم يشربه المولى لم يحصل الامتثال، وكان للعبد إراقة الماء وتبديله، ولكن ليس هذا تبديلا للامتثال. ح - ع - م.
[1] سورتي النساء والمائدة - الآية 43 و 6