الأمر الثامن: الحقيقة الشرعية لا يخفى أن ثبوت الحقيقة الشرعية في ألفاظ العبادات - كالصلاة و الصوم والحج ونحوها - يتوقف على كون ماهياتها أمورا مخترعة لشارع الاسلام. والظاهر فساد ذلك، فإن سنخ هذه العبادات كان معمولا متداولا بين جميع أفراد البشر وأرباب الملل، حتى مثل عبدة الأوثان، فإن أفراد البشر كانت في طول التاريخ تعتقد بشريعة ودين صحيح أو فاسد، وكان كل واحد من الأديان الصحيحة والباطلة يوجد فيه عمل مخصوص وضع مثلا لان يتوجه به العبد إلى مولاه و يتخضع لديه بنحو يليق بساحة من يعتقده مولى له.
ولا محالة كان لهذا السنخ من العمل في كل لغة لفظ يخصه، وكان في لغة العرب وعرفهم يسمى بالصلاة، فاستعمال هذا اللفظ في تلك العبادة الخاصة ليس بوضع شارع الاسلام، بل كان مستعملا فيها في أعصار الجاهلية أيضا. غاية الأمر أن ما هو مصداق لهذه الطبيعة بنظر شارع الاسلام مغاير لما في سائر الأديان، فانظر إلى قوله تعالى:
(وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) حيث سمي ما كان يصدر عنهم بقصد التوجه المخصوص إلى المولى صلاة، غاية الأمر أنه تعالى خطأهم في إتيان ما يشبه اللهو بعنوان الصلاة، وقال تعالى أيضا حكاية عن عيسى عليه السلام:
(وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا).
وكذلك لفظ الصوم والحج ونحوهما، كما يظهر ذلك بمراجعة الآيات والاخبار.
وبالجملة كان سنخ هذه العبادات متداولا في أعصار الجاهلية أيضا، و كان يستعمل فيها هذه