ما قيل في دفع الاشكالات ونقده:
وقد تفصى بعضهم عن الاشكال بالالتزام بوجود أمرين تعلق أحدهما بذات الفعل، والاخر بإتيانه بداعي الأمر الأول. وفيه: ان المفروض أن ذات الفعل لا تشتمل على المصلحة والغرض، فالامر المتعلق بها أمر صوري لا جدي وحينئذ فكيف يتقرب بامتثاله مع العلم بعدم كون متعلقه محبوبا للمولى؟
وقد تصدى في الدرر [1] لدفع الاشكال بوجهين آخرين:
الوجه الأول:
ما حاصله: أن المعتبر في العبادات ليس قصد إطاعة الامر، وإنما المعتبر فيها وقوع الفعل بنحو يصير مقربا، وهذا لا يتوقف على الامر. بيان ذلك أن الافعال على قسمين:
أحدهما، ما ليس للقصد دخل في تحققه وصدق عنوانه عليه، بل لو صدر عن الغافل أيضا لصدق عليه عنوانه. وثانيهما ما يكون قوامه بالقصد، كالتعظيم والإهانة وأمثالهما. ثم إنه لا إشكال في أن تعظيم المولى بما هو أهل له وكذلك مدحه بما يليق به حسنان عقلا و مقربان إليه بالذات من غير احتياج في مقربيتهما إلى الامر بهما، ولا إشكال أيضا في أن اختلاف خصوصيات المعظم والمعظم و المادح والممدوح موجب لاختلافهما، فقد يكون تعظيم شخص بالسلام عليه، وقد يكون بتقبيل يده، وقد يكون بغير ذلك. وقد يشك بالنسبة إلى بعض الموالي في أن التعظيم اللائق بجنابه والمدح المناسب لشأنه ما ذا، وحينئذ فنقول: إن علم العبد بأن التعظيم و المدح اللائقين بجناب مولاه ما ذا، فلا محالة يأتيهما ويصيران مقربين له من غير احتياج إلى الامر بهما، وأما إذا شك في أن أي فرد من أفراد التعظيم يناسب مقامه فلا بد حينئذ من الاعلام من قبل المولى، و الامر بما يحصل به التعظيم والمدح. ولكن الامر إنما هو لتشخيص ما يحصل به التعظيم فقط، لا لكون قصده دخيلا في حصول القرب، بل القرب يحصل بصرف إيجاد الفعل مع قصد عنوانه. فالصلاة مثلا و إن لم تكن ذوات أفعالها وأقوالها من دون إضافة قصد إليها بمحبوبة و لا مجزية، ولكن من الممكن كون صدور هذه الهيئة المركبة من الحمد والثناء والتهليل والتسبيح والخضوع والخشوع مقرونة بقصد بنفس هذه العناوين محبوبا للامر ومناسبا لمقامه، غاية الأمر قصور فهم الانسان عن إدراك ذلك أحوجه إلى أمر المولى بها، بحيث لو كان عقله كاملا لم يحتج إلى الامر أبدا. وعلى هذا ففي عباديتها ومقربيتها لا تحتاج إلى قصد الامر، حتى يلزم المحذور.
[1] للمرحوم مؤسس الحوزة العلمية في قم آية الله العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري (قدس سره).