الأمر الثاني: الوضع قال شيخنا الأستاذ (قدس سره) في الكفاية: الوضع نحو اختصاص للفظ بالمعنى وارتباط خاص بينهما ناش من تخصيصه به تارة، و من كثرة استعماله فيه أخرى، وبهذا المعنى صح تقسيمه إلى التعييني والتعيني (انتهى).
أقول: لا يتبين بهذا التعريف ماهية الوضع وحقيقته، بل هو نحو فرار من تعريفه، كيف وإلا فمن الممكن أيضا أن يقال في تحديد الانسان مثلا: إنه نحو موجود في الخارج، وهكذا بالنسبة إلى كل أمر مجهول. والتعريف الحقيقي للوضع عبارة عما يعرف به حقيقة العلاقة الحاصلة بين الألفاظ ومعانيها، هذا مضافا إلى أنه يرد عليه:
أولا: أن الاختصاص والارتباط المذكور من قبيل معاني أسماء المصادر، فيعتبر أمرا باقيا بين اللفظ والمعنى، ولا محالة يكون لتحقق هذا الارتباط منشأ هو الوضع حقيقة، فليس الارتباط عين الوضع، بل هو أمر مترتب على الوضع، ومتحصل بسببه، ويعبر عن هذا الارتباط بالدلالة الشأنية المعرفة بكون اللفظ بحيث إذا سمع أو تخيل فهم منه المعنى.
وثانيا: أن الارتباط المذكور لا يحصل بصرف تعيين الواضع، بل يحصل إما بكثرة الاستعمال، وإما بتعيين الواضع، أو استعماله بداعي الوضع بشرط الاتباع.
والحاصل: أن الارتباط الذي هو عين الدلالة الشأنية لا يكفي في تحققه صرف تعيين الواضع ما لم يتبع، فإن صرف التعيين لا يوجب أنس اللفظ بالمعنى بحيث إذا سمع فهم منه المعنى.
ثم إنه لا بد في تحقق الوضع من أن يلحظ لفظ ومعنى، فالمعنى الملحوظ حين الوضع إما عام أو خاص.
وعلى الأول: إما أن يوضع اللفظ بإزاء نفسه، أو يوضع بإزاء مصاديقه.