لم يكن للشارع حينئذ - بمقتضى قواعد العدلية - تشريع الفرد الاضطراري، وجعله في عرض الفرد الاختياري، حتى يكون مقتضاه تخير المكلف عقلا بين هذا الفرد الاضطراري، وبين الفرد الاختياري الذي يتمكن منه في آخر الوقت في الواجب الموسع، ولكن لا ربط لذلك بوظيفة الفقيه، فإن الفقيه لا يبحث إلا فيما هو مقتضى الأدلة الشرعية، فإذا اقتضى الدليل فردية الصلاة مع التيمم مثلا لطبيعة الصلاة في حال الاضطرار، أخذ الفقيه بمقتضاه، وجعله دليلا على كونها في عرض سائر الافراد من كل جهة، حتى إن للمكلف أن يجعل نفسه موضوعا لهذا الفرد الاضطراري، بأن يوجد الاضطرار لنفسه اختيارا، نظير الحاضر الذي يسافر في حال الاختيار.
فإن قلت: إذا كان الفرد الاضطراري في عرض الفرد الاختياري، فلم لا يجوز في باب الصلاة اقتداء الكامل بالمضطر؟.
قلت: ليس هذا من جهة كون الفرد الاضطراري أنقص مصلحة، بل من جهة كون الكمال شرطا في الإمامة للكاملين، حيث إن الأنسب كون الامام أكمل من المأموم.
فإن قلت: إذا كانت الصلاة مع التيمم في عرض الصلاة مع الطهارة المائية، فلم وجب على فاقد الماء أن يطلبه في الجوانب الأربعة؟.
قلت: فردية الصلاة مع التيمم للطبيعة المأمور بها موقوفة على فاقدية الماء. والطلب إنما هو لاحراز هذا الموضوع أعني الفاقدية.
واعلم: أنه قد أشار إلى ما ذكرناه في التكاليف الاضطرارية (المحقق) في المعتبر في مسألة جواز إراقة الماء في أول الوقت، وقد نقل عنه ذلك بنحو التلخيص المحقق الهمداني (قده) في طهارته في مسألة وجوب طلب الماء على من كان فاقدا له. قال (قده): (إنه مخاطب في تمام الوقت بصلاة واحدة مخيرا في أي جز منه، بلا ترتيب، ففي أي جز، يلاحظ حالته ويعمل بموجب حالته من كونه مسافرا مثلا فيقصر، أو حاضرا فيتم، ومن الحالات إذا كان واجدا للماء فبالطهارة المائية أو غير واجد له فبالترابية، ولا يجب في جز من الزمان المتقدم حفظ حالته للزمان المتأخر).
نقد ما قيل في مقام الاثبات:
واعلم: أن ما ذكره صاحب الكفاية في مقام الاثبات أيضا لا يخلو عن شي.
بيان ذلك: أنه قد ظهر لك أنه ليس لنا في باب التكاليف أمران:
اختياري واضطراري، حتى نبحث في إجزاء أحدهما عن الاخر، وأنه لو سلم وجود أمرين فلا معنى لاجزاء أحدهما عن