الفصل الثالث:
حجية ظواهر الألفاظ إذا احتاج الانسان إلى الاطلاع على ما يعتقده الغير في واقعة خاصة، اما من جهة العلم بكون معتقده مطابقا للواقع أو من جهة كون معتقده حجة في حق الانسان فلا وسيلة إلى إحراز عقيدته الا بوسيلة الألفاظ الصادرة عنه بقصد إبراز ما في ضميره إذ غيره من الوسائل لا يكفي لافهام جميع المقاصد ولا يمكن إبراز العقيدة بسببها الا بتكلفات شديدة، واما افهام المقاصد بسبب الألفاظ ففي غاية السهولة ولذلك اختارها البشر على سائر الامارات.
والسر في ذلك ان التنفس كان امرا ضروريا قهريا لجميع الناس وكان الهواء عند خروجه عن الرئة واصطكاكه مع المقاطع، مما يمكن ان توجد بوسيلته أصوات موزونة يخالف بعضها بعضا آخر، فلذلك اختار الناس هذا الامر الطبيعي السهل وسيلة لافهام العقائد بالوضع والمواضعة لا بكون دلالتها عليها طبيعية ذاتية كما توهم، إذ القول بكون التناسب بين الألفاظ والمعاني ذاتية مما تضحك به الثكلى، و لأجل ذلك ترى اختلاف اللغات والألسنة.
وبالجملة فالألفاظ، أمارات وضعية وضعت لافهام المقاصد والشارع أيضا لا بد في افهام أحكامه إلى إعمال هذه الامارات بجعل مقاصده في قالب الألفاظ الموضوعة، فلأجل ذلك يتمشى البحث عن حجية الظواهر.
ثم إن البحث في المقام، صغروي وكبروي فالبحث الصغروي يتكفل لتعيين موجبات الظهور ومصاديق الظاهر، والبحث الكبروي يتكفل لتعيين حجيتها بعد إحراز ظهورها.
ثم إن البحث عن كون المبحث من المسائل الأصولية أم لا مما لا ينبغي لنا ان نصرف فيه الوقت بعد ما تبين لك موضوع علم الأصول و الملاك في كون المسألة، أصولية في أول العلم فراجع.