تطابق المفهوم مع المنطوق لا إشكال في أن المفهوم - بناء على ثبوته - عبارة عن انتفاء عين الحكم الذي ثبت لموضوع خاص عند انتفاء المعلق عليه.
وبعبارة أوضح: لا بد فيه من أن يطابق المنطوق في جميع القيود و الخصوصيات المأخوذة في الموضوع والمحمول والمعلق عليه، فمفهوم (إن جاءك زيد يوم الجمعة فأكرمه) قولنا: إن لم يجئك زيد يوم الجمعة فلا يجب إكرامه، ومفهوم (إن جاءك زيد فأكرمه يوم الجمعة) قولنا: إن لم يجئك زيد يوم الجمعة فلا يجب إكرامه، ومفهوم (إن جاءك زيد فأكرمه يوم الجمعة) قولنا: إن لم يجئك فلا يجب إكرامه يوم الجمعة، وهكذا، وهذا مما لا إشكال فيه، إنما الاشكال فيما إذا كان الموضوع في الجزاء عاما استغراقيا سواء كان الحكم فيه ثبوتيا، بأن كانت القضية موجبة كلية، أو سلبيا، بأن كانت سالبة كلية، فوقع النزاع فيه بين صاحب الحاشية على المعالم الشيخ محمد تقي الاصفهاني وبين شيخنا المرتضى (قدس سرهما) فقال صاحب الحاشية: إن المفهوم فيه على طبق النقيض المنطقي، فمفهوم الايجاب الكلي السلب الجزئي وسلب العموم، ومفهوم السلب الكلي الايجاب الجزئي.
وقال الشيخ: إن مفهوم الايجاب الكلي السلب الكلي وبالعكس، وقد جرى النزاع بينهما في مفهوم قوله عليه السلام: (الماء إذا بلغ قدر كر لم ينجسه شي)، فقال صاحب الحاشية: إن مفهومه أن الماء إذا لم يكن بقدر الكر ليس بأن لا ينجسه شي من النجاسات، بل ينجسه شي منها، وهذا لا ينافي عدم تنجسه بملاقاة بعض الأشياء.
ومقتضى كلام الشيخ تنجسه بملاقاة أي شي لاقاه. ولا يخفى أن نزاعهما إنما هو في كلمة الشئ الواقعة بعد النفي المفيد للعموم، وأما كلمة الماء فلا نزاع فيها فإن عمومها محفوظ في المفهوم أيضا بلا ريب، هذا والظاهر أن الحق في المسألة مع صاحب الحاشية، فإنه المتبادر من موارد استعمال هذه الجمل فلا يستفاد من قوله: الماء إذا بلغ (إلخ) إلا أن الكرية تكون بحيث توجد في الماء قوة لا يقاومها ولا يؤثر مع تحققها شي من النجاسات، فمفهومه أنه إذا لم يكن بقدر الكر ليس بهذه المثابة من القوة الدافعة لجميع النجاسات، فلا ينافي ذلك عدم تنجسه حينئذ أيضا بملاقاة بعض النجاسات.