والبحث عن حجية الظواهر، انما يتمشى في هذا القبيل من الألفاظ أعني ما وقع منها رابطة بين الموالي وعبيدهم، فمحصل الكلام في باب حجية الظواهر يرجع إلى أنه إذا صدرت من المولى ألفاظ تكون بحسب وضعها أو القرائن المحفوفة بها قوالب لمعان مخصوصة و تكون كاشفة بهذا الاعتبار عن إرادة المولى فهل تكون حجة له على العبد وبالعكس، أم لا؟ ومعنى كونها حجة للمولى على العبد ان العبد إذا خالف ما هو مقتضى ظاهرها معتذرا باحتمال إرادة خلاف الظاهر كان عند العقلا مستحقا للعقوبة ولم يكن عذره مقبولا عندهم إذا اتجرت مخالفة الظاهر إلى مخالفة حكم إلزامي، ومعنى كونها حجة للعبد على المولى ان العبد إذا عمل على طبق ما هو مقتضى ظاهرها ولم يكن الظاهر مرادا جديا للمولى وضاع بسبب ذلك بعض مراداته الواقعية لم يكن له عتاب العبد وعقابه على ترك الواقع، بل العبد يحتج عليه بما اقتضاه ظاهر كلامه.
فإذا عرفت موضوع النزاع في الحجية ومعناها، حصل لك التصديق بحجية الظواهر وصارت حجيتها لديك من الضروريات، فإنها من القضايا التي قياساتها معها، إذ الطريق في افهام المقاصد والمرادات ينحصر تقريبا في الألفاظ، وممن يحتاج إلى افهام مقاصده لغيره، الموالي بالنسبة إلى عبيدهم فإذا استعمل المولى الألفاظ القالبة لمعان خاصة فلا محالة يجب على العبد الاعتماد عليها وتتأتى المحاجة من الطرفين.
وبالجملة، فظواهر الألفاظ من أقوى الامارات وأقدمها وبسببها دارت رحى الاجتماع وقام النظام البشري فان الانسان مدني بالطبع يحتاج في إمرار معاشه إلى التعاون والامداد من أبناء نوعه ويتوقف ذلك على افهام المقاصد والضمائر إلى الغير، وأسهل طرقه هو استعمال الألفاظ، كما مر وجهه في صدر المبحث، وممن يحتاج إلى افهام المقاصد وإظهار المرادات، الموالي بالنسبة إلى عبيدهم من غير فرق بين مولى الموالي وغيره من الموالي العرفية.
الاستدلال لحجية ظواهر الألفاظ:
ان (المحقق الخراساني)، يقرر سيرة العقلا القائمة على حجية ظواهر الألفاظ، بوجهين:
الأول: ان العقلا كانت تعتمد عليها في مقام استنباط مقصد الغير وكان هذا المعنى بمرأى الصادع بالشريعة ومسمعه ولم يردع عنه فيستكشف من عدم ردعه، جواز الاعتماد عليها.