الاخر، وحينئذ فلو تنزلنا وسلمنا ما ذكره من أن لنا أمرين، وأن امتثال الثاني يجزي عن الأول، فما ذكره أخيرا - من أنه إذا لم يكن هناك إطلاق يدل على أن الموضوع للامر الاضطراري هو مطلق الاضطرار ولو في بعض الوقت، فالمرجع هو البراءة - فاسد جدا، إذ المكلف قد علم باشتغال ذمته بالامر الواقعي، ولكنه لا يعلم أنه هل صار موضوعا للامر الاضطراري، حتى يكون امتثاله مسقطا للامر الواقعي أيضا، أو لم يصر موضوعا، لاحتمال أن يكون الموضوع للامر الاضطراري هو الاضطرار في جميع الوقت؟ وحينئذ فاشتغال ذمته بالامر الواقعي يقتضي تحصيل البراءة اليقينية، فكيف حكم (قده) بأصالة البراءة؟. [1] المقام الثاني: في إجزاء امتثال الامر الظاهري عن الامر الواقعي وحيث ينجر الكلام في آخر المسألة إلى كيفية الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري، فالأولى قبل الورود في تحقيقها أن نشير إشارة إجمالية إلى بعض وجوه الجمع بين الحكمين مما يناسب المقام.
وجوه الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري:
من الوجوه المذكورة في مقام الجمع بينهما ما ذكره شيخنا الأستاذ المحقق الخراساني في حاشيته على الرسائل، ومحصله: ان للحكم مراتب أربع: الاقتضاء، والانشاء، والفعلية، والتنجز، ولا يخفى أن التضاد بين الاحكام إنما يكون بعد فعليتها ووصولها إلى المرتبة الثالثة، أعني مرتبة البعث والزجر.
إذا عرفت هذا فنقول: إن المحاذير المتوهمة في الباب إنما تلزم لو قلنا بفعلية الحكمين معا، [1] أقول: يمكن أن يقال، إن مراده (قده) من الاطلاق ليس هو إطلاق الاضطرار، كما في كلام سيدنا الأستاذ العلامة (مد ظله العالي)، بل المراد إطلاق البدلية فيكون حاصل مراده أن المكلف لما لم يقدر على امتثال التكاليف الأولية جعل الشارع التكاليف الاضطرارية أبدالا لها، فحين الاضطرار لا تكون التكاليف الأولية فعلية، بل الفعلية لابدالها. وحينئذ فلو كان لنا إطلاق يدل على أن ما جعله الشارع بدلا بدل إلى الأبد أخذنا بالاطلاق وحكمنا بالاجزاء عن التكليف الأولي، لكفاية البدل عن المبدل منه، ولو لم يكن هناك إطلاق، فشككنا في أن بدلية الفرد الاضطراري عن الأولي هل هي إلى الأبد حتى مع ارتفاع الاضطرار، أو كانت بدليته منه في زمن الاضطرار فقط بأن يكون وافيا بما يفوت من مصلحة الفرد الأولي في زمن الاضطرار من دون أن يكون وافيا بما يمكن تحصيله بعد ارتفاع الاضطرار بالإعادة أو القضاء؟ فحينئذ نحكم بالبراءة، إذ التكليف الأولي لم يكن في زمن الاضطرار فعليا، وبعد ارتفاعه يشك في صيرورته فعليا لاحتمال أن تكون بدلية الفرد الاضطراري منه إلى الأبد، وهذا واضح ولا سيما إذا كان طرؤ الاضطرار من أول الوقت. ح - ع - م.