السادس:
أن التقابل بينهما يشبه تقابل العدم والملكة، فإن الصحة كما عرفت عبارة عن كون الموجود الخارجي بحيث ينطبق عليه العنوان المترقب، والفساد عبارة عن كونه بحيث لا ينطبق عليه ذلك، و انطباق العنوان المترقب وإن لم يكن من الشؤون الواقعية للموجود الخارجي، ولكن لما كان وجوده بترقب هذا الانطباق صار هذا الترقب منه بمنزلة كونه من شؤونه، فالفساد عبارة عن عدم الانطباق فيما يكون من شأنه الانطباق.
ذكر وجهين لدلالة النهي على الفساد:
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول: قد ذكروا لدلالة النهي على الفساد وجهين:
(الأول) أن النهي يقتضي الحرمة والمبغوضية، وهما تنافيان الصحة.
(الثاني) أن علماء الأمصار في جميع الأعصار كانوا يستدلون بالنهي الوارد في العبادات والمعاملات على الفساد. والظاهر تباين هذين المسلكين، وعدم الجامع بين مقتضى الدليلين، وتوضيح ذلك يتوقف على بيان نكتة، وهي أن صحة الشئ - كما عرفت - عبارة عن كونه بحيث ينطبق عليه العنوان المترقب منه، وفساده عبارة عن كونه بحيث لا ينطبق عليه ذلك.
ثم إن العناوين مختلفة، فبعضها بحيث يكون انطباقها وعدم انطباقها واضحا عند الجميع، ولا يختص علمه ببعض دون بعض، ولكن كثيرا منها مما يجهلها الأكثر ويختص العلم بانطباقها ومنطبقاتها وما يشترط في انطباقها عليها ببعض الناس، وذلك كالمعاجين التي يختص العلم بأجزائها وشرائطها وموانعها بالأطباء، فقد يكون معجون خاص مركبا من أمور يكون لشروط وجودية وعدمية دخل في انطباق عنوانه على هذه الأمور، ولكن العلم بذلك يختص بطائفة خاصة، ومن هذا القبيل أكثر العبادات والمعاملات الواردة في الشريعة، فإنها أمور مركبة من أجزاء خاصة، ويكون لشروط وجودية وعدمية دخل في انطباق عناوينها على هذه الاجزاء، ولكن العلم بذلك يختص بمخترعها وهو الشارع، وبناء العرف والعقلاء في هذا السنخ من الأمور على الرجوع إلى أهل فنها، فإذا رجعوا إليهم وورد منهم في ذلك أمر أو نهي يكون هذا الامر أو النهي عندهم ظاهرا في الارشاد إلى الجزئية أو الشرطية أو المانعية، فإذا قال الطبيب مثلا للمريض: اجعل السقمونيا بمقدار خاص في المعجون الذي عالجتك به، لا يكون هذا الامر ظاهرا في الوجوب المولوي، بل يكون ظاهرا في الارشاد إلى الجزئية، وكذا لو قال: لا تجعل فيه السقمونيا، لا يتبادر من هذا النهي التحريم المولوي، بل يكون ظاهرا في الارشاد إلى مانعية