كلام صاحب المعالم ونقده:
تبصرة - قال في المعالم: فائدة - يستفاد من تضاعيف أحاديثنا المروية عن الأئمة (عليهم السلام) أن استعمال صيغة الامر في الندب كان شائعا في عرفهم، بحيث صار من المجازات الراجحة المساوي احتمالها من اللفظ لاحتمال الحقيقة عند انتفاء المرجح الخارجي، فيشكل التعلق في إثبات وجوب أمر بمجرد ورود الامر به منهم عليهم السلام، ومحصل كلامه (قده): ان كون الصيغة موضوعة للوجوب وإن كان مرجحا لحملها عليه، عند انتفاء القرينة، ولكن يعارض ذلك ويكافئه كون استعمالها في الندب أكثر. وقال في الكفاية في مقام رده ما حاصله: إن كثرة استعمالها في الكتاب والسنة في الاستحباب لا توجب حملها عليه، أما أولا: فلكثرة استعمالها في الوجوب أيضا فتعادلا من هذه الجهة، ويقدم الوجوب من جهة كونها موضوعة له. وأما ثانيا: فلان استعماله في الندب وإن كان كثيرا ولكنه كان مع القرينة المصحوبة، وهذا لا يوجب أنس اللفظ بالاستحباب، بحيث يعادل الوجوب في الاحتمال، كيف وقد كثر استعمال العام في الخاص، حتى قيل (ما من عام إلا وقد خص،) ولم ينثلم به ظهوره في العموم. بل يحمل عليه، ما لم تقم قرينة على الخصوص (انتهى كلامه).
ونحن نقول أما أولا: فما ادعاه في المعالم مغاير لما في الكفاية، فإن صاحب المعالم إنما ادعى كثرة استعمال الصيغة في الندب في أخبار الأئمة عليهم السلام، لا في الكتاب والسنة كما في الكفاية و أخبار الأئمة ليست من السنة، لاطلاقها - بحسب الاصطلاح - على الاخبار النبوية فقط.
وأما ثانيا: فما ذكره من أن كثرة الاستعمال مع القرينة المصحوبة لا توجب أنس اللفظ بالمعنى المجازي، في غير محله، إذ اللفظ و القرينة لو استعملا معا في المعنى المجازي فما ذكره صحيح، واما إذا استعمل نفس اللفظ في المعنى المجازي كثيرا، غاية الأمر أنه قد صاحبته القرينة حين الاستعمال، فلا نسلم حينئذ عدم أنس اللفظ بالمعنى المجازي.
وأما ثالثا: ففي ما ذكره - من تنظير ما نحن فيه بمسألة العموم و الخصوص - نظر من وجهين:
أ - إن هذا مخالف لما سيذكره في العموم والخصوص من: أن لفظ العام عند إرادة الخاص، لا يستعمل في الخاص، بل يستعمل في نفس ما وضع له، غاية الأمر أن قرينة الخصوص تدل على كون الإرادة الجدية مخالفة للإرادة الاستعمالية، وهذا بخلاف ما نحن فيه، فإن صيغة الامر بنفسها تستعمل في الندب.