الانتزاعية، وهي أيضا على قسمين: الأول: ما ينتزع عن الأمور الحقيقية بحيث لا يحتاج في انتزاعه إلى فرض الفارضين واعتبار المعتبرين، كالفوقية، والتحتية، والأبوة، والبنوة، ونحوها.
الثاني: ما ينتزع عن الاعتبارات والانشاءات كالملكية والزوجية و السلطنة والحكومة ونحوها، فهذه أقسام ثلاثة، والقسم الأول و الثاني لا يقبلان الانشاء، وما يقبله هو القسم الثالث، وحقيقة الإرادة - التي هي صفة من صفات النفس - من القسم الأول، فلا تقبل الانشاء بخلاف الطلب، فإن له معنى قابلا لان ينشأ، إذ ليس معناه سوى البعث والتحريك نحو العمل، وكما أنهما يحصلان بالتحريك الفعلي بأن يأخذ الطالب بيد المطلوب منه ويجره نحو العمل المقصود، فكذلك يحصلان بالتحريك القولي بأن يقول الطالب:
(اضرب) أو (أطلب منك الضرب) أو (آمرك بكذا) مثلا، فقول الطالب: (افعل كذا)، بمنزلة أخذه بيد المطلوب منه وجره نحو العمل المقصود، و الحاصل: أن حقيقة الطلب مغايرة لحقيقة الإرادة، فإن الإرادة من الصفات النفسانية بخلاف الطلب، فإنه عبارة عن تحريك المطلوب منه نحو العمل المقصود: إما تحريكا عمليا مثل أن يأخذ الطالب بيده و يجره نحو المقصود، أو تحريكا إنشائيا مثل (افعل كذا)، ولا ارتباط لهذا المعنى - بكلا قسميه - بالإرادة التي هي من صفات النفس. نعم الطلب - بكلا معنييه - مظهر للإرادة ومبرز لها، فمن أراد من عبده تحقق فعل خاص أو وجود مقدماته بقصد التوصل بها إلى الفعل، قد يحركه نحو الفعل تحريكا عمليا، وقد يقول له: (افعل كذا) مريدا بهذا القول تحقق ذاك التحريك، فمفاد (افعل) تحريك تنزيلي يعبر عنه بالطلب الانشائي. ولا يتوهم مما ذكرنا - من اختلاف الطلب و الإرادة مفهوما - موافقتنا الأشاعرة، إذ نزاع الأشاعرة مع العدلية - كما بيناه - ليس في اختلاف الإرادة والطلب مفهوما أو اتحادهما كذلك، بل في وجود صفة نفسانية أخرى في قبال الإرادة وعدم وجودها، فافهم أدلة الأشاعرة ونقدها:
ثم إنه استدل الأشاعرة على ما ادعوه - من وجود صفة نفسانية في قبال العلم وأختيه - بوجهين:
(الأول):
أن الأوامر الامتحانية والاعتذارية، مثل الأوامر الجدية في احتياجها إلى وجود منشأ في نفس المتكلم، وحيث لا إرادة في نفس المتكلم - في تلك الأوامر - فلا بد من وجود صفة أخرى في نفسه لتكون هي المنشأ لامره، وتسمى هذه الصفة بالطلب النفسي. وإذا ثبت أن