لا يقال: ثبوت العقاب للمتجري مما تكذبه الآيات والاخبار إذ العقاب المتوعد فيها على المعصية.
فإنه يقال: انه ليس غرضنا في هذا الباب، إثبات فعلية العقاب للمتجري حتى يقال بعدم التوعيد عليه، بل الغرض إثبات الاستحقاق بحسب حكم العقل واما الفعلية فيمكن عدمها في بعض المعاصي أيضا كما هو مقتضى كرم الباري عز اسمه.
ثم إنه بقي في المقام شي يجب ان ينبه عليه وهو ان ما ذكره (صاحب الفصول) من تداخل عقاب الواقع والتجري في صورة مصادفة القطع بالحرمة للحرمة الواقعية، كلام مجمل بل غير صحيح، إذ مخالفة هذا القطع من مصاديق العصيان فان المفروض موافقة القطع للواقع، فالثابت انما هو عقاب واحد على المعصية، إذ البحث عن التجري انما هو في صورة مخالفة القطع للواقع.
اللهم، الا ان يكون المقطوع به حرمة الشئ بسبب تخيل انطباق عنوان خاص محرم وكان في متن الواقع محرما ولكن لا بهذا العنوان بل بعنوان آخر مجهول، كما إذا قطع بالحرمة بتخيل الخمرية وكان في الواقع مغصوبا لا خمرا فلو خالف قطعه حينئذ تحقق التجري لا العصيان، بناء على عدم كفاية العلم بجنس الحرمة في تنجيز نوعها و لكن يقع الاشكال حينئذ بان الواقع غير المنجز كيف يعاقب عليه حتى يقال بتداخل عقابه مع التجري.
وبعبارة أخرى، إن كان العلم بالجنس كافيا في تنجيز النوع، فالعقاب على العصيان لا غير، وان لم يكن كافيا في ذلك فلا عقاب الا على التجري فأين العقابان حتى يتداخلان. [1] وحدة الملاك في العاصي والمتجري:
قد تحصل مما ذكرنا، ان النزاع في التجري، انما هو في ثبوت استحقاق العقاب وعدمه وقد عرفت ثبوته ولكن لا على المبادي النفسانية من العزم والجزم والإرادة، ما لم تصل إلى مرتبة الفعلية، بل على صدور الفعل بعناوينه الثانوية المنتزعة عنه بجهة انتسابه إلى المولى وكونه [1] لعل مراد صاحب الفصول (قده) ان التجري بالمعنى الأعم المتحقق في صورة العصيان أيضا ملاك لاستحقاق العقاب ونفس العصيان أعني مخالفة الواقع عن علم وعمد، ملاك آخر، ففي صورة العصيان يجتمع الملاكان ويثبت عقابان ومعنى تداخلهما، هو ثبوت عقاب واحد بنحو الاشتداد بحيث يساوي عقابين والعلم في الملاك الأول تمام الموضوع وفي الثاني قيده فلا يتوهم ان ذلك يستلزم القول بثبوت العقاب على الواقع وان لم يكن منجزا. ح - ع - م.