إذا عرفت هذا فنقول: لعل كلام الحاشية مبني على المشي الثاني في تفسير الحكم الواقعي، وكلام الكفاية مبني على المشي الأول، فارتفع التهافت من البين.
ولا يخفى أن المشي الأول أمتن، فإن تفسير الحكم الواقعي بإرادة الفعل بشرط حصوله، بسبب داعوية خصوص الخطاب الواقعي، إنما هو من قصور النظر، وإلا فالنظر الدقيق يقتضي خلاف ذلك، فإن ما ثبت أولا هو نفس إرادة الفعل والشوق إليه بنحو الاطلاق، و الانبعاث نحوه من خصوص خطاب خاص لا خصوصية له في مطلوبية الفعل، وإنما صار مطلوبا ومرادا بتبع إرادة نفس الفعل و مطلوبيته من جهة كون إرادة المسبب إرادة لأسبابه بالتبع فنفس الفعل مطلوب مطلقا ولو في حال الجهل، ولذا أثرت هذه المطلوبية في إيجاد خطاب آخر ليتسبب به إلى المقصود بعد عدم وفاء السبب الأول (أعني الخطاب الواقعي) بهذا المقصد، وقد عرفت أن هذه المطلوبية هي روح الحكم وحقيقته، فتلخص مما ذكرنا: أن ما هو روح الحكم فعلي مطلقا، فافهم.
نعم إن خالف الحكم الظاهري للواقع، أو جهل العبد بكلا الخطابين فلا محالة يجب على المولى رفع اليد عن مراده، بمعنى أنه لا يمكن أن يريد انبعاث العبد نحو العمل مع كونه بهذا الوضع الفعلي من عدم الاطلاع على مراد المولى، لا بسبب الخطاب الواقعي ولا بسبب البعث الطريقي، فتصير الإرادة شأنية حينئذ، فما ذكرناه من فعلية الحكم الواقعي بروحه في حال الجهل إنما هو فيما إذا جهل العبد بالبعث الواقعي، ولكن وصل إليه الواقع بوسيلة الخطاب الظاهري، فتدبر.
التفصيل في الاجزاء بين التكاليف الظاهرية:
إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم، أن ما بيناه (من فعلية الحكم الواقعي، وكون الحكم الظاهري عينا له في صورة الموافقة، وصورة حكم لا حقيقة لها في صورة المخالفة) إنما يصح فيما إذا كان المجعول الظاهري حكما مستقلا غير ناظر إلى توسعة الواقع، كما إذا قامت الامارة على حرمة شي أو عدم وجوبه، وكان بحسب الواقع واجبا، أو قامت على وجوبه وكان بحسب الواقع حراما أو غير واجب، و نحو ذلك من الأمثلة، وأما إذا كان المجعول الظاهري ناظرا إلى الواقع، من دون أن يكون مفاده ثبوت حكم مستقل في عرضه بل كان بلسان تبيين ما هو وظيفة الشاك في أجزأ الواجب الواقعي المعلوم و شرائطه وموانعه، فلا مجال حينئذ لفعلية الواقع، بل الحكم الظاهري يكون فعليا في ظرف الشك ويكون العمل على طبقه مجزيا.
ولنذكر في المقام جملة من كلام شيخنا الأستاذ في الكفاية، ثم نذيله بما يقتضيه التحقيق.