وأجاب عنه: بأن المؤاخذة من تبعات الكفر والعصيان المسبوقين بالاختيار الناشئ من مقدماته الناشئة من الشقاوة الذاتية، (إلى آخر ما كتبه حتى انكسر قلمه).
أقول: الورود في هذا الميدان والاشتغال بمصارعة الفرسان خطير، و رب ذهن صاف لا نرضى أن نورده في هذا البحر العميق، الذي لا ينجو منه إلا الأوحدي من الناس، فلنشر إشارة إجمالية إلى ما قيل في جواب ما ذكر من الاشكال، ثم نخرج من هذا المبحث.
فنقول: قال الحكيم القدوسي المحقق الطوسي (قده) في مقام الجواب عن هذا الاشكال، أي - إذا كان الكفر والعصيان والإطاعة و الايمان مسبوقة بإرادته تعالى وعلمه بالنظام الأتم الأكمل فكيف التكليف المشروط بالاختيار -: بأن العلم تابع للمعلوم لا أن المعلوم تابع للعلم.
وأوردوا عليه إيرادا واضح الورود، فقالوا: إن العلم الذي هو تابع للمعلوم عبارة عن العلم الانفعالي، لا العلم الفعلي الذي هو علة لوجود المعلوم في الخارج، وكلامنا في المقام في علمه تعالى الذي هو عين إرادته الأزلية التي بها وجد كل شي، ويوجد من البدو إلى الختم.
والظاهر أن هذا المعنى بلغ من الظهور والوضوح درجة لا يمكن أن يقال إنه خفي على مثل ذلك المحقق، فالأولى أن نوجه كلامه بحيث لا يرد عليه هذا الايراد.
فنقول: لا يخفى أن المراد من النظام الأتم الأكمل، الذي يكون متعلقا لإرادته تعالى هو سلسلة العلل والمعلولات من بدوها إلى ختمها، فإن دار الوجود دار العلل والأسباب، ولكل من الموجودات الامكانية تأثيرات مخصوصة بنفسه لا توجد في غيره، وعلية الأشياء لمعلولاتها ليست مجعولة، وإنما هي من جهة خصوصيات في ذواتها، والذاتيات لا تعلل، والمجعول إنما هو ذوات العلل والأسباب بالجعل البسيط، فكل موجود وإن سبقته الإرادة الأزلية وكان وجوده مفاضا من قبل المبدأ الفياض إلا أن له خواص وآثارا ذاتية غير قابلة للجعل، وبها يصير علة لغيره ومؤثرا فيه، وعلى هذا فما تعلق به العلم الفعلي، أعني إرادته التكوينية، إنما هو وجود الأشياء و تحققها بذواتها، وأما عليتها ومعلوليتها فمتعلقتان لما يشبه العلم الانفعالي، لعدم كونهما مجعولتين حتى يسبقهما العلم القضائي الفعلي.
المناط في الثواب والعقاب:
إذا عرفت هذا فاعلم أن الانسان كما يكون بدنه مركبا من طبائع مختلفة متباينة في الآثار والخواص والمقتضيات، فكذلك جوهره الحقيقي وروحه الذي به صار إنسانا، مركب من رقائق