كفاية المقدمة الأولى لاحراز الاطلاق:
هذا كله بناء على مذاق القوم في باب الاطلاق.
وأما على ما بيناه من أن الملاك فيه كون حيثية الطبيعة تمام الموضوع، كما أن ملاك التقييد دخالة حيثية أخرى في الموضوعية، من دون أن يلحظ السريان وعدمه، فيرد الاشكال على المقدمة الثالثة، إذ المفروض بحسب المقدمة الأولى كون المولى بصدد بيان ما هو تمام المراد من اللفظ بحسب الاستعمال، وليس المراد بذلك ما أريد من اللفظ بحسب الاستعمال فقط، إذ لا ينحصر ذلك بلفظ دون لفظ، بل يجري في جميع الألفاظ، بل المقصود بذلك كونه بصدد بيان ما هو المراد بحسب الواقع والجد، وحينئذ فإن لم يكن تمام الموضوع بحسب الواقع نفس حيثية الطبيعة، بل كانت لحيثية أخرى دخالة فيه صار عدم ذكرها إخلالا منه بالغرض، إذ المفروض أن المذكور ليس إلا حيثية الطبيعة، والمستفاد منه هو الاطلاق وكونها تمام الموضوع للحكم، وكون بعض الافراد متيقن الإرادة لا يضر بالاطلاق بعد كون الملاك في الاطلاق والتقييد عندنا وحدة الحيثية وتعددها من دون نظر إلى الافراد.
والحاصل: أن التيقن بالنسبة إلى بعض الافراد يوجب العلم بكفايته في مقام الامتثال، ولا يوجب ذلك تقييدا في موضوع الحكم، بحيث يصير الموضوع للحكم الطبيعة المقيدة، إذ بيان حدود الموضوع من وظائف المتكلم، والمفروض أنه لم يذكر إلا نفس حيثية الطبيعة، و مقتضى ذلك كون نفس الحيثية تمام الموضوع لحكمه وسريان الحكم بسريانها قهرا.
والسر في ذلك أن نظر المتكلم بحسب ما حققناه في معنى الاطلاق و التقييد ليس إلى الافراد، بل إلى نفس الحيثية، فالملاك كل الملاك فيهما هو وحدة الحيثية وتعددها. وبالجملة:
المقدمة الثالثة غير محتاج إليها، بل هي مخلة بعد ما حققناه من أن الملاك في الاطلاق والتقييد ليس لحاظ السريان وعدمه، وليس الافراد ملحوظة، بل النظر مقصور على نفس حيثية الطبيعة، فإن جعلت تمام الموضوع سميت مطلقة وإن انضم إليها حيثية أخرى سميت مقيدة، فيكفي في الاطلاق لحاظ الطبيعة وعدم لحاظ حيثية أخرى معها، وعلى هذا فالامر في التيقن والشك بعكس ما ذكروه، إذ كون نفس حيثية الطبيعة دخيلة في الموضوع متيقن ودخالة حيثية أخرى مشكوك فيها، وحيث إن المولى لم يبين دخالتها مع كونه في مقام البيان، فلا محالة يحرز بذلك إرادة الاطلاق. هذا كله بالنسبة إلى المقدمة الثالثة. وأما المقدمة الثانية: فهي أيضا زائدة، إذ البحث