الأمر الخامس تأسيس الأصل في المسألة اعلم أن نفس الملازمة بين وجوب الشئ ووجوب مقدماته مما لا تجري فيها الأصول، لعدم كونها حكما شرعيا، حتى تجري فيها البراءة، وعدم وجود حالة سابقة معلومة لوجودها أو عدمها حتى يجري فيها الاستصحاب.
وأما نفس وجوب المقدمة فقد يتوهم جريان الاستصحاب فيه من جهة أن المقدمة قبل وجوب ذيها لم تكن واجبة وبعده يشك في وجوبها فينفى باستصحاب العدم.
وفيه: أما أولا فلان جريان الأصول العملية - التي منها الاستصحاب - يتوقف على ترتب أثر عملي عليها فإنها أصول وضعت لتعيين وظيفة من شك فيما يتعلق بعمله ومفاد أدلتها هو وجوب البناء عملا على وفقها، كما ربما يأتي في محله ووجوب المقدمة أو عدم وجوبها لا يترتب عليه أثر عملي، إذ العقل يحكم جزما بوجوب إتيان المقدمة، وإن ثبت عدم وجوبها شرعا فبوجوبها لا يتحقق تكليف زائد، حتى ينفى بالأصل.
فإن قلت: الملاك في جريان الاستصحاب هو كون المستصحب بنفسه أثرا شرعيا أو كونه ذا أثر شرعي، وما نحن فيه من قبيل الأول:
فإن وجوب المقدمة بنفسه أثر شرعي، لكونه حكما من الأحكام الشرعية فيجري فيه الاستصحاب، وإن لم يترتب على هذا الأثر الشرعي أثر آخر.
قلت: هذا ممنوع لما عرفت من أن المجعول في باب الأصول هو وجوب العمل على طبق مؤدياتها والجري على وفقها، وتعيين الوظيفة فيما لا يرتبط بالعمل أمر لغو لا يصدر عن الشارع، فصرف كون المستصحب حكما من الأحكام الشرعية لا يكفي في جريان الاستصحاب، ما لم يترتب على جريانه أثر عملي.