رفع التهافت بين كلامي الأستاذ في المقام:
يمكن الجمع بين كلاميه بنحو يرتفع التهافت من البين بتقريب أن يقال:
إن ما هو حقيقة الحكم وروحه عبارة عن إرادة المولى صدور الفعل عن العبد، فإنه الذي يتعلق به شوق المولى أولا، غاية الأمر أنه لما كان الفعل من الافعال الإرادية للعبد، وكان تحققه منوطا بتحرك عضلاته نحوه، تولد في نفس المولى من إرادة الفعل إرادة تحرك عضلات العبد، وحيث إن تحرك عضلاته متوقف على وجود الداعي في نفسه حتى ينبعث منه لو كان بحسب ملكاته ممن ينبعث من الدواعي الإلهية، فلا محالة تتولد في نفس المولى إرادة بعثه و إنشاء الحكم بالنسبة إليه حتى يعلم به فينبعث منه نحو المقصود، فما هو المراد أولا وبالذات ويكون متعلقا للشوق هو نفس صدور الفعل عن العبد، وأما البعث وانبعاثه منه فمرادان بالتبع من جهة أنه يتسبب بهما إلى ما هو المقصود بالذات.
ولا يخفى أن إرادة الفعل وإن كانت مطلقة، لكن إرادة انبعاث العبد من الخطاب والبعث مقصورة على صورة علم العبد بالخطاب من جهة أنه لا يعقل داعوية البعث ما لم يتعلق به العلم، حيث إنه بوجوده العلمي يصير داعيا ومحركا، وعلى هذا تصير إرادة الفعل الثابتة بنحو الاطلاق، داعية للمولى إلى إيجاد خطاب آخر في طول الخطاب الواقعي، حتى يصير هو الداعي للعبد نحو الفعل المقصود بعد أن لم يطلع على الخطاب الواقعي، ولم يمكنه الانبعاث منه.
وبالجملة: بعد جهل العبد بالخطاب الواقعي وعدم إمكان تأثيره في نفسه لو كانت روح الحكم وحقيقته - أعني إرادة الفعل - باقية، لتولدت منها إرادة خطاب آخر لا لمصلحة في نفس متعلقه، بل لعين ما وجد بلحاظه الخطاب الواقعي، وحينئذ فإن كان الواقع بمثابة لا يرضى المولى بتركه أبدا كان الحكم المجعول ظاهرا عبارة عن وجوب الاحتياط، وإن لم يكن كذلك أو كان في إيجاب الاحتياط مشقة ومفسدة، كان الحكم الظاهري عبارة عن جعل الطرق والامارات.
فكل من الخطاب الواقعي والظاهري مجعول بلحاظ ما تعلق به الشوق أولا، وإرادة هذا صارت منشأ لتولد إرادة أخرى متعلقة بالخطاب الواقعي، وإرادة ثالثة متعلقة بالخطاب الظاهري.
غاية الأمر: أن موارد إصابة الامارة لما لم تكن متميزة عن موارد خطئها صار المجعول فيها حكما كليا، يعم موارد الإصابة والخطأ. و لكن ما هو المقصود من جعلها هو صور الإصابة فقط، وصور الخطأ صارت مجعولة بالعرض، نظير القصود الضرورية المحققة بتبع المقصود الأصلي،