الله التي لا تتخلف عن المراد هي إرادته وجود فعل من نفسه لا إرادته صدور فعل عن غيره، فإنها قد تتخلف. وقال المحقق الخراساني في الكفاية - في مقام الجواب عن هذا الاستدلال -: (إن الله تعالى إرادتين: إرادة تكوينية، وإرادة تشريعية، وما لا تتخلف هي التكوينية دون التشريعية).
والظاهر أن مراده هو ما قاله المتكلمون، غاية الأمر أنه عبر بعبارة أخرى، فمراده من الإرادة التكوينية إرادته تعالى صدور الفعل عن نفسه، ومن الإرادة التشريعية إرادته صدور الفعل عن المكلف.
لا ارتباط بين مسألة الطلب والإرادة ومسألة الجبر والتفويض هاهنا قد تم مبحث الطلب والإرادة، ولا ارتباط لهذا المبحث أبدا بمسألة الجبر والتفويض، فما تراه في كلام بعض من ابتنائه عليها في غير محله، غاية الأمر أن المحقق الخراساني لما قسم الإرادة إلى قسمين كما مر آنفا، فسر الإرادة التكوينية له تعالى بعلمه بالنظام على النحو الكامل التام - أعني ما تراه وتشاهده في صفحات عالم الوجود من الايمان والكفر والنزاع والجدال وغير ذلك، وبعبارة أخرى كل ما وجد ويوجد إلى يوم القيامة - وفسر الإرادة التشريعية له تعالى بعلمه بالمصالح الكامنة في أفعال المكلفين الموجبة لامره تعالى إياهم بفعلها، ثم قال بعد تفسيرهما: فإذا توافقتا - أي كان صدور فعل من الافعال عن مكلف خاص ذا مصلحة وكان أيضا دخيلا في النظام الأكمل فكان موردا للإرادتين - فلا بد حينئذ من الإطاعة و الايمان، وإذا تخالفتا - أي كان صدور الفعل عن المكلف ذا مصلحة له، ولكن كان مخلا بالنظام الأكمل، فكان موردا للإرادة التشريعية دون التكوينية - فلا محيص حينئذ عن أن يختار الكفر و العصيان.
ثم استشكل بأنه إذا كان الكفر والعصيان والإطاعة والايمان بسبب إرادته التكوينية التي لا تتخلف، فكيف يصح التكليف المشروط بالاختيار؟ لخروجها على هذا من الاختيار. وأجاب عنه: بأنه لم تتعلق إرادته تعالى التكوينية بصرف صدور الافعال عن المكلفين، بل تعلقت بصدورها عنهم مسبوقة بإرادتهم، فما أراد منهم بالإرادة التكوينية هو أن يريدوا ويفعلوا.
ثم استشكل ثانيا بأنه وإن كان صدور الافعال عنهم مسبوقا بإرادتهم و اختيارهم، إلا أنها منتهية بالآخرة إلى إرادته تعالى وإلا لتسلسل، فخرجت من كونها اختيارية، وحينئذ فكيف المؤاخذة؟.