رابط أي عدم الشئ شيئا. [1] وما قد يتوهم من كون مدخول السلب في السوالب عبارة عن الوجود الرابط فاسد جدا، فإن المدخول له هو نفس المحمول، والعدم هو الرابط، بداهة أنه لا يعتبر في القضية السالبة أزيد من تصور الموضوع و المحمول والنسبة السلبية، أعني بها سلب المحمول عن الموضوع، ولا يجب أن يتصور وجود المحمول للموضوع أولا، ثم يجعل مدخولا للسلب حتى تصير أجزاؤها أربعة:
الموضوع، والمحمول، والوجود الرابط، والسلب، ويعلم ذلك بملاحظة مرادفها في الفارسية فيقال:
(زيد نيست قائم) ولا يقال: (زيد نيست هست قائم).
والحاصل: أن وزان العدم وزان الوجود، فكما أن الوجود قد يكون محموليا، كما في الهليات البسيطة، وقد يكون ربطيا كما في الهليات المركبة، فكذلك العدم قد يكون محموليا وقد يكون [1] أقول: هذا ما اختاره بعض المتأخرين، وذهب القدماء من القوم إلى أن القضية السالبة لا تشتمل على النسبة، بل يكون مفادها سلب النسبة وقطعها لا بأن تعتبر أولا بين الطرفين نسبة ثبوتية ثم ترفع و تسلب، بل السلب عندهم يتوجه أولا إلى نفس المحمول، ولكن سلب المحمول عن الموضوع عبارة أخرى عن سلب الانتساب بينهما، كما أن الموجبة لا يعتبر فيها أولا نسبة ثبوتية ثم تثبت للموضوع، بل يثبت فيها أولا نفس المحمول للموضوع، ومع ذلك يقال إن فيها إيجاب النسبة وإيجادها، والسر في ذلك أن النسبة معنى حرفي إلي، فلا يتعلق بها لحاظ استقلالي إلا بنظر ثانوي مساوق لخروجها من كونها نسبة بالحمل الشائع، فالذي يتوجه إليه الذهن أولا ويراه مفادا للقضية إنما هو إثبات شي لشئ أو سلبه عنه، ثم بالنظر الثانوي يرى أن الموجبة تشتمل على نسبة وارتباط بين الموضوع و المحمول، والسالبة لا تشتمل إلا على سلب النسبة والارتباط، لا على ارتباط يكون بنفسه أمرا عدميا. هذا بعض ما قيل في المقام، و تحقيق المطلب خارج من عهدة فن الأصول. وربما يستشكل على مبنى سيدنا الأستاذ (مد ظله العالي) بأن المراد بالعدم الرابط إن كان صورته الذهنية المتحققة في القضية الذهنية، ففيه: أنها ليست عدما بالحمل الشائع، بل هي أمر موجود في الذهن، وإن كان المراد به ما به يرتبط الموضوع والمحمول في الخارج، نظير الكون الرابط في الموجبات المركبة.
ففيه: أن مقتضى ذلك هو أن يتحقق في الخارج أمر يكون حقيقة ذاته العدم والبطلان ويكون مع ذلك رابطا بين الموضوع والمحمول، وهذا واضح الفساد، مع أنه من الممكن أن لا يكون شي من الطرفين موجودا في الخارج، كما في السالبة بانتفاء الموضوع، فيلزم على هذا أن يتحقق في الخارج عدم رابط بين عدمين، وفساد هذا أوضح من السابق.
لا يقال: مقتضى ما ذكرت أن لا تكون السالبة مشتملة على النسبة مع أن تقوم القضية بالنسبة.
فإنا نقول: لا نسلم توقفها مطلقا على النسبة، بل هي أمر يتقوم ويتحقق إما بالنسبة أو بسلبها، فمفاد الموجبة تحقق الارتباط بين الطرفين، ومفاد السالبة عدم تحققه بينهما. ح - ع - م.