المبحث الرابع:
ما به يمتاز الوجوب من الاستحباب قد عرفت أن حقيقة الطلب مغايرة لحقيقة الإرادة، فإن الإرادة صفة من صفات النفس في قبال العلم مثلا، وليست قابلة للانشاء بخلاف الطلب، فإنه عبارة عن تحريك الطالب، المطلوب منه نحو العمل المقصود إما عملا وإما إنشاء، وبعبارة أخرى حقيقة الطلب عبارة عما يحصل - تارة - بأخذ الطالب بيد المطلوب منه وجره نحو العمل المقصود، - وأخرى - بقوله للمطلوب منه: افعل كذا، ولا ارتباط لهذا المعنى بالصفات النفسانية، نعم يكون هذا المعنى بكلا قسميه من مظاهر الإرادة ومما ينكشف منه وجودها في النفس انكشاف العلة من معلولها. وبهذا البيان يظهر لك أن مدلول الانشاءات ليس هو الإرادة، بل أمر مظهر لها وهو الطلب.
إذا عرفت هذا فاعلم أنهم اختلفوا في أن المتبادر من لفظ الامر ومن الصيغ الانشائية والجمل الخبرية الواردة في مقام الطلب عند تجردها من القرائن، هو الطلب الوجوبي أو الندبي أو مطلق الطلب؟ و اللازم أولا - أن نبين ما به يمتاز الوجوب من الاستحباب في مقام الثبوت، ثم نذكر ما هو المتبادر من لفظ الامر والصيغ في مقام الاثبات، فنقول:
امتياز الشيئين إما بتمام الذات، أو بجز منها، أو بأمر خارج منها.
أما الأول: فهو فيما إذا لم يشتركا أصلا أو اشتركا في أمر خارج من ذاتيهما، كامتياز كل من الأجناس العالية وأنواعها من الأجناس الاخر وأنواعها، فالجوهر وأنواعه مثلا ممتازة بتمام ذواتها من الكم و أنواعه.
وأما الثاني: فهو فيما إذا اشتركا في بعض الاجزاء وامتازا ببعضها، كامتياز الانسان من الفرس، فإنهما مشتركان في الحيوانية و ممتازان بالناطقية والصاهلية.
وأما الثالث: فهو فيما إذا اشتركا في تمام الذات كامتياز زيد من عمرو، فإنهما مشتركان في