مقدمات يتوقف عليها، وكان هذا العبد بصدد امتثال أوامر مولاه، فلا محالة تنقدح في نفسه إرادة إتيان المقدمات من دون أن ينتظر في إتيانها تعلق أمر بها على حدة، وما دعاه إلى إتيان المقدمات إلا الامر المتعلق بذيها، وعد هذا الشخص عند اشتغاله بالمقدمات بنظر العقلا شارعا في امتثال أمر مولاه.
وبالجملة في عبادية المقدمات لا نحتاج إلى تعلق أمر غيري بها، فإن قلنا في باب المقدمات بعدم ترشح الأوامر الغيرية إليها، ولم تكن أيضا بأنفسها متعلقات لأوامر نفسية، كان لنا تصحيح عباديتها بأن تؤتي بداعي وقوعها في طريق ذيها الذي تعلق به أمر نفسي.
بل يمكن أن يقال: إن الامر الغيري الترشحي، وإن قلنا بثبوته للمقدمة بناء على القول بالملازمة، لكنه لا يكفي في عبادية متعلقه، إذ لا إطاعة له بما هو هو ولا قرب.
والسر في ذلك ما قدمناه لك مفصلا من أن الوجوب الغيري وجوب ظلي واندكاكي لا يراه النظر العميق وجوبا، حتى أن لو دل عليه الامر بسبب خطاب مستقل أيضا كان هذا الخطاب بنظر العقلا بعثا و تحريكا نحو ذي المقدمة، وإن كان بحسب الظاهر متعلقا بالمقدمة.
الاشكال على عبادية الطهارات الثلاث ودفعه:
ومما ذكرنا لك إلى هنا تبين الجواب عن الاشكالين اللذين أوردهما المحقق الخراساني في باب الطهارات الثلاث (بعد ما عد من البديهيات أن موافقة الامر الغيري، بما هو هو لا توجب قربا ولا مثوبة، كما أن مخالفته بما هو هو لا توجب بعدا ولا عقوبة) ونحن نذكر الاشكالين مشيرا إلى جوابهما، من غير أن نتعرض لما ذكروه من الجواب:
الاشكال الأول: أنه إذا كانت موافقة الامر الغيري لا توجب قربا ولا مثوبة، فكيف حال بعض المقدمات التي لا شبهة في مقربيتها و ترتب المثوبة عليها، بل عدم صحتها لو لم تؤت بقصد الامر كالطهارات الثلاث، فإنه لا خلاف بين علماء الاسلام غير أبي حنيفة في اشتراطها بقصد الامر؟ الاشكال الثاني: هو الاشكال الوارد في جميع التعبديات، ومحصله عدم إمكان أخذ قصد الامر في المأمور به، و قد قرر الاشكال بوجوه ذكرناها في مبحث التعبدي والتوصلي وكان أهمها الدور الوارد في مقام الامتثال، وحاصله: ان المأمور به لو كان عبارة عن الطهارة مثلا مقيدة بداعوية أمرها إليها لم يمكن امتثال هذا الامر، فإن داعوية الامر في مقام الامتثال متوقفة على كون المدعو