ويؤيد ما ذكرناه في ذلك المبحث ويشهد له بعض الآيات القرآنية و الاخبار المأثورة، فمن الآيات قوله تعالى في سورة (هل أتى): (انا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه) إلخ.
بناء على كون المراد بالنطفة في هذه الآية، الرقائق واللطائف المختلفة التي خمرت منها طينة آدم وروحه، لا النطفة الجسمانية فراجع ما ذكرناه وحررناه في بيان الآية في تلك المسألة.
ومما يدل على ذلك أيضا قوله تعالى: (ان الخاسرين الذين خسروا أنفسهم) حيث إن الانسان مع التئام روحه من اللطائف المختلفة إذا غلب فيه جانب بعضها كالشهوة والغضب مثلا ربما أدى ذلك إلى الخسران الذاتي وزوال الملكات الحسنة بالكلية، مع أن بها إنسانية الانسان.
ويشير إلى هذا المطلب أيضا ما ورد في بعض الأخبار من أن، في قلب الانسان نكتتين:
نكتة سوداء ونكتة بيضاء فإذا صدرت منه المعصية غلب السواد على البياض وربما يؤدي ذلك إلى اضمحلال النكتة البيضاء بالكلية.
وكذا ما ورد من أن لقلب الانسان، أذنين، ينفخ في أحدهما، الملك و في الاخر، الشيطان، وما ورد من أن الله تعالى بعد ان أراد خلق آدم عليه السلام، قبض جبرئيل قبضات من السماوات السبع وقبضات من الأرضين السبع فخمر طينة آدم منها.
إلى غير ذلك من الاخبار المشيرة إلى ما ذكرنا من التئام الروح الانساني من العوالم المختلفة. [1] فراجع الاخبار وتدبرها لعلك تطلع على صدق ما ذكرناه. فتأمل.
الملاك للثواب والعقاب:
وكيف كان، فقد ظهر مما ذكرناه ان الفعل المتجري به يثبت له القبح و لكن لا بملاك يخص التجري بل بعين ملاك قبح العصيان و نوضح ذلك ببيان آخر وهو: ان الافعال قد تتصف تنجزه الا صيرورته بحيث يستحق على مخالفته العقوبة. فافهم. ح - ع - م.
[1] قد كرر الأستاذ مد ظله هنا أيضا ما ذكره في مبحث الطلب والإرادة ردا على شيخه الأستاذ، ولكن حيث حررناه هناك فلا نعيد و لكن لما لم يذكر الاخبار المشيرة إلى ما ذكره في ذلك المبحث أشرنا إليها هنا. ح - ع - م.