واما الوجه الثاني: فقد أورد عليه في (الكفاية) بما حاصله: ان فائدة وجوب الانذار ليست منحصرة في وجوب الحذر تعبدا لعدم وجود إطلاق في الآية يقتضى ذلك.
أقول: وجوب الحذر تعبدا بعض مصاديق وجوب الحذر المطلق ولا يحتمل في الآية كون غير الحذر غاية للانذار بعد النص عليه في الآية فليست الآية من قبيل قوله: (ولا يحل لهن ان يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) حيث أجيب عن الاستدلال بها لحجية الخبر بمنع انحصار الفائدة لحرمة الكتمان في قبول قولهن تعبدا، فان الغاية فيها مستنبطة غير منصوصة عليها وهذا بخلاف ما نحن فيه.
وكيف كان: فيرد على الوجه الثاني، ان المراد بوجوب الحذر إن كان وجوبه ظاهرا أي بما ان المنذر (بالفتح) جاهل بالحكم الواقعي ففيه: ان ذلك مخالف لما يدل عليه سياق الآية من جهة كونها في مقام بيان الوسيلة لايصال الأحكام الواقعية.
وإن كان المراد وجوبه واقعا ففيه: انه لا معنى لجعل الحكم الواقعي غاية للانذار، إذ يصير معنى ذلك وجوب الانذار ليصير الحذر واجبا واقعا ومجعولا في نفس الامر وهذا المعنى فاسد جدا، فان الامر بالعكس حيث إن وجود الاحكام في نفس الامر ووجوب العمل بها هو العلة لوجوب الانذار والتفقه والنفر، فبقي من الوجوه الثلاثة، الوجه الثالث مما ذكروها، فافهم وتدبر.
الاستدلال ب آيات أخرى:
ثم إنهم ذكروا في مقام الاستدلال على حجية الخبر آيات أخرى أيضا.
والانصاف انه لا مجال للاستدلال بالآيات في باب حجية الاخبار فيجب الغمض عنها، ولا تستبعد ما ذكرنا فان الاستدلال بالآيات حدث في كتب المتأخرين من الأصوليين والكتب الأولية المصنفة في هذا الفن ليس فيها أثر من الاستدلال بالآيات في المقام وقد سئل (الشافعي) الذي هو أول من صنف كتابا في هذا الفن عن حجية الخبر فحكى وقائع وسننا مأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله تستفاد منها حجية الخبر منها قضية تحويل القبلة ولم يتعرض للآيات أصلا ولا محالة كانت الوقائع المحكية متواترة عنده ولو إجمالا إذ لا مجال للاستدلال لحجية الخبر الواحد بخبر الواحد.